و (كَيْ) المَصدريَّة كما سبق .. (كَيْ) مَصدريَّة التي أطلقها النَّاظِم هنا (وَبِلَنِ انْصِبْهُ وَكَيْ) أي: المَصدريَّة، وإنما يؤخذ التقييد من كونه ذكرها في أدوات النصب، وإلا (كَيْ) قد لا تكون مصدريةً بل تكون تَعليليَّة، فأمَّا التَّعليليَّة فجَارةٌ والناصب بعدها (أنْ) مضمرة، وتتَعيَّن المصْدريَّة إنْ سبقتها اللام كما ذكرناه سابقاً، كقوله تعالى: ((لِكَيْلا تَأْسَوْا)) [الحديد:23] والتَّعليليَّة إن تَأخَّرَت عنها اللام أو أنْ، وعلامة المَصدريَّة أن تَتَقدَّم عليها اللام لفظاً أو تقديراً.
(لَنِ) قيل: لا يَجوز الفَصْل بين (لَنِ) والفعل اختياراً عند البصريين وهشام، وأجاز الكِسَائي الفَصْل بالقسم ومعمول الفعل: لن والله أقوم، جَوَّز الفَصْل بالقسم، وبِمعمول الفعل: لن زيداً أضرب، ووافقه الفَرَّاء على القسم، وزاد الفَصْل بـ: (أظن) والشرط، والجماهير على المنع:
أنَّه لا يُفصَل بين (لَنِ) ومعمولها، نعم يَتقدَّم معمول معمولها عليها الجمهور على الجواز: زيداً لن أضرب، هذا جائزٌ.
. . . . . . . . . . . كَذَا بِأَنْ ... لاَ بَعْدَ عِلْمٍ وَالَّتِي مِنْ بَعْدِ ظَنّْ
فَانْصِبْ بِهَا وَالرَّفْعَ صَحِّحْ وَاعْتَقِدْ ... تَخْفِيفَهَا مِنْ أَنَّ فَهْوَ مُطَّرِدْ
قوله: (كَذَا بِأَنْ) (كَذَا) أي: مثل ما ذُكِر من كون (لَنِ) ناصبة بنفسها، و (كَيْ) ناصبة على التفصيل السَّابق (بِأَنْ) يعني: فانصبه (بِأَنْ) (لاَ بَعْدَ عِلْمٍ) (لاَ) حرف عطف، لَكنَّه معطوف على محذوف مُقدَّر، والتقدير: فانصبه (بِأَنْ) بعد غير علمٍ لا بعد علم، لأن (أنْ) المصدرية لها ثلاثة أحوال:
- إمَّا أن يسبقها ما يَدلُّ على العِلْم .. ما يَدلُّ على اليقين يعني، سواءٌ بلفظ العِلْم أو غيره: رَأى، وحَسِبَ، وتيَقَّنَ، وظَنَّ إذا أريد بها العِلْم، كل الألفاظ السَّابقة التي مرَّت معنا في باب (ظَنَّ) ما يَدلُّ على اليقين إذا تَقدَّم على (أنْ) .. أن يَتقدَّم عليها ما يفيد اليقين، ويُعبِّر عنه النحاة: بما يدل على العِلْم.
- النوع الثاني: أنْ يَتقدَّم عليها ما يَدلُّ على الرجْحَان، يعني: (ظَنَّ) وأخواتها .. ظَنَّ وحَسِبَ ورَأىَ ونحو ذلك إذا استعملت في الرجحان.
- ألا يَتقدَّم عليها الأول ولا الثاني، كألا يَتقدَّم عليها ما يُفيِد العِلْم، ولا ما يُفيِد الظَّنَّ.
متى تكون ناصبةً متَعيِّنة النَّصب؟ فيما إذا لم يَتقدَّم عليها علمٌ ولا ظنٌ: ((وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ)) [الشعراء:82] نقول: (يَغْفِرَ) هنا فعلٌ مضارع منصوبٌ بـ: (أنْ) وهذه (أنْ) متَعيِّن أنَّها مَصدريَّة، لأنه لم يسبقها ما يَدلُّ على الظَّنِّ، ولا ما يَدلُّ على العِلْم، فيتَعيَّن أنها مَصدريَّة، وهي التي عنها بقوله: (كَذَا بِأَنْ لاَ بَعْدَ عِلْمٍ) يعني: فانصبه (بِأَنْ) بعد غيْرِ عِلْمٍ لا بعد عِلَمٍ، فإن كانت بعد عِلمٍ حينئذٍ يتَعيَّن أن تكون (أنْ) مُخفَّفة من الثقيلة، هذا إذا كان ما قبلها دالاً على العِلْم.