فالتَّعلِيق الذي ذَكَرَه هناك تَجْعَله هنا، إذاً: لا اعتراض على النَّاظِم، إذاً: لم يُقَيِّده هنا بالخالي من النونين اكتفاءً بِتَقدُّم ذلك في باب الإعراب، وهذا صحيح.
. . . . . . . . . . إِذَا يُجَرَّدُ ... مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ كَتَسْعَدُ
(كَتَسْعَدُ) .. (كَتُسْعَدُ) يُقَال: سَعِدَ تَسْعَد، وأسْعَدَ يُسْعَد، يجوز فيه الوجهان.
(تَسْعَدُ) لوحده لا يُقَال: بأنَّه فعل مضارع تَجَرَّد عن ناصب وجازم، فالعامل يكون فيه الرَّفْع، وإنَّمَا لا بُدَّ من تركيبه في جُمْلَة، يُقَال: تَسْعَدُ هِندٌ، وأمَّا لوحده هكذا: يَضْرِبُ، هذا لا حكم له، لماذا؟ لأنَّه كلمة مثل الحرف والاسم، وسبق: أنَّ الاسم إذا لم يُسند ويُسنَد إليه، لا يُحكم عليه بإعراب ولا بناء.
كذلك: (تَسْعَدُ) لوحده لا نقول: بأنَّه مرفوع، ولا بأنَّه مبني، بل الصواب أنَّه موقوف، يعني: لا يُحكم عليه بإعراب ولا بناء، لكن في مثل هذه المنظومات وغيرها تُقَدِّرُ له فاعلاً أو مبتدأً، وتَجعل الفعل خبراً عنه: هندٌ تَسعَدُ هي، إذاً: صار مُسنداً ومُسنداً إليه، فتقول: (تَسْعَدُ) فعلٌ مضارع تَجرَّد عن ناصب وجازم فيكون مرفوعاً، وهذا واضح بَيِّن.
إذاً: عرفنا أنَّ الفعل المضارع إذا لم يسبقه ناصبٌ ولا جازم فهو مرفوع، لكن ما هو العامل؟ هذا مُتَّفَق عليه .. لا خلاف أنَّكَ تنطق به مرفوعاً: يقوم زيدٌ، لم يقل أحد بأنَّكَ تقول: يقم زيدٌ، أو: يَقومَ زَيدٌ، بل لا بُدَّ من أن يكون مرفوعاً، لكن ما العامل فيه؟
هذا فيه أربعة مذاهب، النَّاظِم هنا قال:
. . . . . . . . إِذَا يُجَرَّدُ ... مِنْ نَاصِبٍ وَجَازِمٍ. . . . .
فظاهره: وإن لم يَنُصَّ على ذلك أنَّه مرفوع، ورافعه التَّجَرُّد نفسه، وهذا مذهب الكوفيين والفَرَّاء: أنَّ العامل في الفعل المضارع في حالة الرَّفْع هو التَّجَرُّد، والتَّجَرُّد أمرٌ معنوي .. ارتفع لتَجَرُّده من النَّاصِب والجازم، وهذا اختيار النَّاظِم هنا في الظَّاهِر، لماذا؟
قالوا: لأنَّ الرَّفْع دائرٌ معه وجوداً وعَدماً، لاحظنا أنَّ أداة النَّصْبِ إذا تَقَدَّمَت تَغَيَّرَ الرَّفْع من ضمة إلى فتحة: لن يقومَ .. لم يقم، تَغَيَّر، إذاً: كلما وُجد التَّجَرُّد وُجِدَ الرَّفْع، وكلما انتفى التَّجَرُّد انتفى الرَّفْع، يعني: إمَّا يَتَقدَّم عليه عامل جازم، وإمَّا أن يَتَقدَّم عليه عاملٌ ناصبٌ، فحِينئذٍ إذا وُجِدَ العامل اللفظي النَّاصِب أو الجازم ارتفع الرَّفْع، وإذا ارتفع العامل وأداة النَّصْب وأداة الجزم وُجد الرَّفْع.
قالوا: هذا الدَّوَران يُشعِرُ بالعِلِّيَّة في كون هذا الرَّفْع الموجود في الفعل سببه التَّجَرُّد نفسه، فجُعل عاملاً فيه، كالابتداء هناك، وهذا أمر واضح بَيِّن وهذا هو الظَّاهِر، أنَّ الرَّفْع دائرٌ معه وجوداً وعدماً .. مع التَّجَرُّد، والدَّوَرَان مُشعِرٌ بالعِلِّيَّة.
ومذهب البصريين هنا في هذا المقام مذهبٌ ضعيف، وهو أنَّ العامل فيه كونه وقع موقع الاسم، وهذا أيضاً عاملٌ معنوي، لَكنَّه موقوف.
أنَّه ارتفع لوقوعه موقع الاسم، فـ: (يضرب) في قولك: زيدٌ يضرب، واقع موقع (ضارب) فارتفع لذلك، وهذا -كما سبق- أنَّه من أوجه الشَّبَه بين الفعل المضارع والاسم في كونه مُعرَباً، لماذا أعربناه؟ من أوجُه الشَّبَه أنَّ الفعل المضارع يقع موقع الاسم: صِفةَ وخبراً وحالاً وصِلةَ، كونه يقع موقعه هذا هو الذي رفعه .. هذا غريب! لماذا؟
لأنَّه قد يقع الفعل في موقع لا يقع فيه الاسم البَتَّة، باتفاق البصريين والكوفيين، هذا المذهب الثاني.
المذهب الثالث: أنَّ العامل هو المضارعة وهو مذهب ثَعْلَب، المضارعة .. المُشابَهَة، كون الفعل أشبه الاسم هو العامل، وهذا أغرب!