- وقيل العِلَّة الثانية: تَكرار الجمع، ولذلك يُسمى: صيغة مُنتهى الجموع، (مُنتهى) يعني: وقف الجمع عندها، فلا يُجمع مرةً أخرى، فحينئذٍ نقول: تَكرار الجمع قد يكون ظاهراً، مثل: (أكلُب وأكَالِب) كَلب .. أكلُب .. أكَالِب، (كَلب) يُجمع على (أكلُب) هذا الجمع الأول، (أكلُب) نفسه يُجمع على (أكَالِب) تَكرار الجمع واضح بَيِّن، لكن (مَسَاجِد) ليس فيه تَكرار، يُقدِّرون فيه التَكرار من أجل ماذا؟ من أجل أن تصلح العِلَّة وتكون تامة.
وقيل: العلة الثانية: تَكرار الجمع تَحقيقاً أو تَقدِيراً، ودائماً هذا تَجد: تحقيقاً أو تَقدِيراً، لأنه لا بُدَّ من شواذ تَخرج عن التحقيق، لا بُدَّ من أدخالها مرة أخرى في القاعدة، فقالوا: أو تقديراً، فيُتَكلَّف لها في كيفية الدخول.
تَكرار الجمع تحقيقاً أو تَقدِيراً، فالتحقيق نحو: (أكلُب) (أكَالِب) جمع الجمع، التَكرار واضح بَيِّن، يعني: جُمع مرتين. و (أرَاهِط) إذ هُما جمع: أكَلُب وأرهُط، والتقدير في نحو: مساجد ومنابر، هذا مُكَرَّر كأنه كُرِّرَ مرة أخرى. و (منابر) فإنه وإن كان جمعاً من أول وهلة، لكنه بِزِنة ذلك المُكرَّر وهو: (أكَاَلِب وأرَاهِط) فكأنه أيضاً جُمِع مرة أخرى فيكون جمع جمعٍ، وهذا اختيار ابن الحاجب.
لأن (مَسَاجِد) جاء على وزن (مَفَاعِل) و (مَفَاعِل) يكون مُكرَّراً كأنه كُرِّرَ مرةً أخرى، هذا فيه تَكلُّف ولذلك القول الأول أرجح: أنَّ العِلَّة الثانية هي خروجه عن صيغ الآحاد، يعني: لا يوجد في المفردات ما هو على زِنَة (مَفَاعل) أو (مَفَاعِيل) وأمَّا بالتَكرار نقول: هذا فيه نظر، لأنه قد يَتخَلَّف عن بعضها (مَسَاجِد) لم يُجمع، فكيف حينئذٍ نقول: هو مُكرَّر؟ ثُمَّ نُقعِّد قاعدة وهي: أن جمع الجمع سَماعي، وهذا يكاد يكون اتفاق، وأمَّا الجمع نفسه فهذا مختلفٌ فيه.
إذاً:
وَكُنْ لِجَمْعٍ مُشْبِهٍ مَفَاعِلاَ ... أَوِ المَفَاعِيْلَ بِمَنْعٍ كَافِلاَ
(كُن كافلاً بِمنعٍ) يعني: لصرف، (لِجَمْعٍ مُشْبهٍ مَفَاعِلاً .. أَوِ المَفَاعِيلَ) هذان الوزنان، موازنة هذين الجمعين وكلاهما لا نظير له في الآحاد، وهي مُستقلة بِمنع الصرف أيضاً، كما أنَّ ألف التأنيث مستقلةٌ بِمنعٍ الصرف، إذ الاسم بها فرعٌ من جهة الجمعية وجهة عدم النظير بخلاف سائر الجموع، فإنها قد يوجد لها نظير في الآحاد، يعني: قد تأتي -كما يأتي معنا إن شاء الله-: أنَّ زِنَة جَمع التكسير قَد يكون مثله وزنٌ في الآحاد، يعني: في المفردات، وأمَّا هذه لا، خَرَجت عن الآحاد فلا نظير لها.
ولا يُشتَرط أن يكون في أوله ميمٌ زائدة، بل أن يكون أوله حرفاً مفتوحاً، أيَّ حرفٍ كان، وأن يكون بعد ألف الجمع حرفٌ مكسورٌ لفظاً أو تقديراً، وهذا على مذهب سيبويه، اشتراط كَسر ما بعد الألف، مذهب سيبويه والجمهور، يعني: (مفاعِـ) لا بُدَّ أن يكون ما بعد ألف مكسور (مَفَاعِيل) فلو لم يكن مَكسوراً لم يُمنع من الصرف.