على كلٍّ: الجمع الأول للمفرد: منه ما هو قياسي، ومنه ما هو سماعي، ثُمَّ هذا الجمع قد يطرأ عليه جَمعٌ فيُجمَع الجمع، وهذا كله سماعي، يعني: لا بُدَّ من الرجوع إلى نَقل الأئمة والحكم على كون هذا جَمع جَمعٍ، حينئذٍ لا بُدَّ من الرجوع إلى المعاجم، فيحكم على كون هذا الجمع جمع جمعٍ، لأن الجمع قد يُجمع، ثُمَّ الجمع قد يُجمع مرة ثالثة.
كان فيه فَرعِية اللفظ بِخروجه عن صِيَغ الآحاد العربية، لا يُوجد مُفرد على هذا الوزن (مَفَاعل) و (مَفَاعيل) إلا (سراويل) كما سيأتي، وهو مُفرَد لكنه أعجمي.
وفرعية المعنى بالدلالة على الجمعية فاستحقَّ منع الصرف، إذاً: عِلَّةٌ قامت مَقَام العِلَّتين:
- كونه جمعاً، وهذا واضح أنه فرعٌ عن المُفرَد، وهذا لا إشكال فيه .. مُتَّفَق عليه،
- والعلة الثانية: كونه خارجاً عن صِيَغ الآحاد، يعني: المفردات الوزن هذا (مفاعل) و (مفاعيل) لا نضير له، كونه خارجاً جعلوه مقام علتين، ولذلك نقول: اتفقوا على أنَّ إحدى العِلَّتين هي الجمع وهذا مُتَّفَق، لأنها واضحة بَيِّنة لا تحتاج، وهي عِلَّةٌ فرعية بالمعنى، دلالة على الجمعية، واختلفوا في العِلَّة الثانية، ما هي؟ لا بُدَّ، لأنه لا يكون عِلَّة واحدة لا تقوم مَقَام عِلَّتين أو لا تكون مع عِلَّة أخرى مستقلة ويكون مانعاً من الصرف، لا يُمنع إلا بوجود عِلّيَتين، لأنه إنما أشبَه الفعل في دلالة الفعل على عِلَّتين: إحداهما لفظية، والأخرى معنوية.
لا بُدَّ أن يوجد في الاسم من أجل أن يُلحق بالفعل، فيمنع من التنوين والخفض بالكسرة لوجود هاتين العِلَّتين، إن ظهرت فبها ونعمت، وإن لم تظهر لا بُدَّ أن نأتي بعِلَّة من أجل أن نحكم عليه بكونه ممنوعاً من الصرف، لمَّا وجدوا ألف التأنيث لوحدها (صحراء) ليس فيه إلا ألف التأنيث، تَكلَّفوا عِلَّة أخرى، ولذلك يختلفون في أيهما اللفظية والأخرى المعنوية.
وكذلك الجمع هنا مصابيح ومساجد ونحوها ممنوعة من الصرف، قالوا: العِلَّة الظاهرة أنه جمع، والجمع فرعٌ عن الإفراد، هذا واضح بَيِّن، ما هي العِلَّة الثانية؟ لا بُدَّ من إيِجاد علة، ولذلك اتفقوا على أن إحدى هي الجمع لظهورها ووضحوها، واختلفوا في العِلَّة الثانية، فقال أبو علي الفارسي: " هي خروجه عن صِيَغ الآحاد، وهذا هو المُرجَّح عند المتأخرين ".
أبو علي الفارسي، أحياناً يُقال: قال الفارسي، وأحياناً يقال: قال أبو علي، من النحاة، لا تظن أنهما رجلان بل هو واحد، وأحياناً يجمع بينهما: قال أبو علي الفارسي وهذا قليل، لكن قد يطلق بالكنية، وقد يأتي باللقب.
فقال أبو عليٍ: " هي خروجه عن صيغ الآحاد" وهذا هو المُرجَّح عند المتأخرين، وهو معنى قولهم: إن هذه الجَمعِية قائمةٌ مقام عِلَّتين:
- العِلَّة الأولى الجمعية .. من جهة المعنى، العلة الثانية خروجه عن نظائره - عن صِيَغ الآحاد -.