قلنا (الأَلِفْ) مطلقاً .. ألف الاثنين الفاعل وحرف التثنية في: أكَلُونِي الْبَرَاغِيْث، والفاصلة بين النونين فالحكم عام إذاً: لا تقع بعد هذه النون.
إذاً نون التوكيد الخفيفة لا يُؤَكَّد بها الفعل المسند إلى نون الإناث البتة، لأنَّه يؤكَّد بالثقيلة فيجب الفصل بين النونين بألفٍ، فإذا فُصِل حينئذٍ يمتنع وقوع الخفيفة بعد الألف.
(وَأَلِفاً زِدْ قَبْلَهَا) قبل نون التوكيد حال كونك (مُؤَكِّدا فِعْلاً أُسْنِدَا إلَى نُونِ الإنَاثِ) لئلا تتوالى الأمثال، وفي جواز الخفيفة هنا هو الخلاف السابق، يونس هنا خالف كما خالف هناك والخلاف خلاف.
الحكم الثالث: أنَّها تحذف قبل الساكن، لأنَّها ساكنة فإذا جاء بعدها حرفٌ ساكن حُذِفت للتَّخلُّص من التقاء الساكنين بخلاف الثقيلة:
وَاحْذِفْ خَفِيفَةً لِسَاكِنٍ رَدِفْ ..
يعني: صار رديفاً لها متأخِّراً عنها، الرديف الَّذي يأتي بعده: {كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْه وَسَلَّمْ عَلَى حِمَارٍ} يعني: راكباً خلفه، إذاً: الرديف ما يكو تابعاً (وَاحْذِفْ) هذا وجوباً (خَفِيفَةً لِسَاكِن) اللام هنا للتَّعليل يعني: لأجل سَاكِنٍ رَدِفْ بعدها .. لكون الساكن رديفاً لها، فالساكن متأخِّرٌ عنها.
أي: تحذف النون الخفيفة وحينئذٍ هل هي مرادة أم لا؟ نقول: نعم مرادة لأمرين:
الأول: أن يليها ساكن ولذلك قال (لِسَاكِنٍ) إذاً هو معلَّل، إذاً الحذف عارض فإذا زال السبب حينئذٍ رجع الأصل إلى ما كان عليه.
والثاني: أن يوقف عليها تاليةً ضمَّة أو كسرة، ولذلك أشار بالشطر الثاني:
لاَتهُيَنَ الفَقِيِرَ عَلَّكَ أَنْ ... تَرْكَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهْ
(لاَ تهُيَنَ الفَقِيِرَ) أصله: (لا تُهِينَنْ) بنون التوكيد الخفيفة (أَلْ) التقى ساكنان فحُذِفت النون الأولى، ما الَّذي دلَّنا على أنَّ ثَمَّ نوناً هنا خفيفة حُذِفَت؟ بناء الفعل، لأنَّه لو كان كذلك لقال: (لا تهن) هذه (لا) ناهية و (تهُيَنَ) هذا فعل مضارع مُؤَكَّد بالنون حينئذٍ فُتِح آخره (وَآخِرَ المُؤكَّدِ افْتَحْ) حُذِفت النون للتَّخلُّص من التقاء الساكنين فبقي كما هو (لاَ تهُيَنَ الفَقِيِرَ) إذ لو كان معرباً لا مبنيَّاً لقال: (لاَ تهُِنَ الفَقِيِرَ) بحذف الياء للتَّخلُّص من التقاء الساكنين ثم يُحَرِّك النون بالكسرة للتَّخلُّص من التقاء الساكنين.
إذاً: (وَاحْذِفْ خَفِيفَةً لِسَاكِنٍ) فهي مرادةٌ معنىً، لأن حذفها هنا لعارض اللفظ وهو التقاء الساكنين (وَاحْذِفْ) لماذا؟ قيل: لأنَّها لمَّا لَمْ تصلح للحركة عُومِلَت معاملة حرف المدِّ فَحُذِفت لالتقاء الساكنين، هي نون ليست بحرف مد لكنَّها لمَّا لم تكن صالحةً للحركة عُومِلت معاملة حرف المد.
وَبَعْدَ غَيرِ فَتْحَةٍ إِذَا تَقِفْ ..