هذا النوع الأوَّل: أن يكون توكيده بهما واجباً، وذلك إذا كان مثبتاً مستقبلاً جواباً لقسمٍ غير مفصولٍ من لامه بفاصل ((تَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ)) [الأنبياء:57] انظر! (وتاللهٍ) هذا قسم (لَأَكِيدَنَّ) هنا محل الشاهد: وهو فعل مضارع مُؤكَّد بالنون لوقوعه في جواب القسم ودخلت عليه اللام مباشرة ولم يفصل بينهما فاصل، لو كان منفيَّاًَ لم يؤكَّد، لو كان فاصلٌ بين اللام والفعل لم يؤكَّد، لو كان دالاًّ على الحال لم يؤكَّد، إذاً كل قيدٍ من هذه القيود لها مُحترَز.
ولا يجوز توكيده بهما إن كان منفيَّاً نحو ((تَاللَّهِ تَفْتَأُ)) [يوسف:85] أو كان حالاً يعني: دالَّاً على الحال .. قد يؤكَّد وهو دالٌّ على الحال، مثَّلوا له بقراءة ابن كثير ((لَأُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) [القيامة:1] (اللام) هذه لام القسم ودخلت على الفعل والمراد به: (الحال).
وقول الشاعر:
يَمِينَاً لأُبْغِضُ كُلَّ امْرِئٍ ..
(يَمِيناً) هذا قسم (لأُبْغِضُ) هذا فعل مضارع دخلت عليه اللام، إذاً لم يُؤَكِّده، لكونه دالَّاً على الحال، لأنه يخبر عن حاله هو .. هو يبغض كُلَّ امْرِئٍ ما ترك أحداً، حينئذٍ وقت الكلام وُجِد البغض في قلبه. أو كان مفصولاً من اللام نحو: ((وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)) [الضحى:5] هذه الحالة الأولى: وجوب التأكيد.
الثانية: أن يكون قريباً من الواجب، وذلك إذا كان شرطاً لـ (إن) المؤكَّدة بـ (إِمَّا) يعني بعد (إمَّا) هذا قريب من الواجب، ولذلك الذي يدل على أنه قريب من الواجب، فلو قيل بوجوبه لَمَا امتنع أنه لم يرد في القرآن إلا كذلك نحو: ((وَإِمَّا تَخَافَنَّ)) [الأنفال:58] ((إِمَّا نَذْهَبَنَّ)) [الزخرف:41] ((فَإِمَّا تَرَيِنَ) [مريم:26] نقول هذا كله: فعل مضارع مُؤكَّد بالنون وهو قريب من الوجوب يعني: ليس بواجبٍ وإنَّما هو قريبٌ من الواجب وهو خاصٌ بـ (إن) الشرطية بعدها (مَا) المؤكِّدة، ومِن تَرْك توكيده بعد (إمَّا) قول الشاعر:
ياَ صَاحِ إِمَّا تَجِدْنِي غَيْرَ ذِي جِدَةٍ ..
(إِمَّا تَجِدْنِي) ما قال (تَجِدَنِّي)، (تَجِدْنِي) على الأصل النون هذه نون الوقاية، وهو قليل وقيل يختصُّ بالضرورة، يعني: ترك توكيده بعد (إِمَّا) قليل وقيل يختصُّ بالضرورة، ولذلك قيل: قريبٌ من الواجب.
الحالة الثالثة: أن يكون كثيراً، وذلك إذا وقع بعد أداة الطَّلب، وقلنا هذا يشمل ستة، هذا كثير هذا وليس بقليل ومثَّلنا بالأمثلة السابقة لا نحتاج إلى الإعادة.
الحالة الرابعة: أن يكون قليلاً وذلك بعد (لاَ) النافية أو (مَا) الزائدة التي لم تُسْبَق بـ (إن) كقوله تعالى: ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)) [الأنفال:25] وقوله:
قَلِيلاَ بِهِ مَا يَحْمَدَنَّكَ وَارِثٌ ..
هذا قليل.
الخامسة: أن يكون أقلَّ من ذلك، وذلك بعد (لَمْ) وبعد أداة جزاءٍ غير (إِمَّا):
يَحْسَبُه الجَاهِلُ مَا لمْ يَعْلَمَا ..