وأما (رُبَّما) فهذه تدخل على الفعل الماضي و (قَدْ) تدخل على الفعل المضارع، إذاً قد يكون مدخول (رُبَّما) ما هو مضارع بخلاف (لَمْ) وإن كان مضارعاً لفظاً إلا أنَّه في المعنى ماضٍ ((رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)) [الحجر:2] إذاً دخلت على الفعل المضارع.
توكيد الفعل بعد (رُبَّما) أحسن من توكيد الفعل بعد (لَمْ) مع كونه بعد (رُبَّما) شاذ ضعيف لا يقاس، لكن من حيث القبول وعدم مخالفة القياس التوكيد بعد (رُبَّما) أحسن، لأنَّها تدخل على الماضي وتدخل على المضارع، والمضارع إذا دخلت عليه المراد به (الاستقبال) حينئذٍ بقي له جزءٌ من المدخول.
(وَقَلَّ بَعْدَ مَا وَلَمْ) إذاً قوله (وَقَلَّ بَعْدَ مَا وَلَمْ) ليس على مرتبة واحدة بل القلَّة هنا بمعنى الندور بل قال سيبويه: أنَّه ضرورة. (وَبَعْدَ لاَ) النافية كقوله تعالى: ((وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)) [الأنفال:25] (لا تُصِيبَنَّ) لا هذه نافية أو ناهية؟ قيل نافية وقيل ناهية، والصواب: أنها نافية، فهي نفيٌ لا نهيٌ، لأن الجملة صفةٌ لـ (فِتْنَةً) (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ) الجُمَل إذا وقعت بعد النكرات فهي صفات، وإذا قيل بأنَّها ناهية صارت إنشائيَّة طلبية:
وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ ..
لو كانت ناهية لصارت طلبية، وكيف تكون بعد (فِتْنَةً) وهي صفةٌ لها، فالأولى أن نقول: هي نافية حينئذٍ تكون خبرية، لأنها صفة
وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ ..
إذاً: الطَّلبيَّة ومنها الناهية لا تقع صفةً، وإذا وقعت حينئذٍ لا بدَّ من التأويل، إذاً عدم التأويل أولى من التأويل، بدلاً من أن نقول (وَاتَّقُوا فِتْنَةً) مقولاً فيها (لاَ تُصِيبَنَّ) هذا فيه بعد وفيه تكلُّف، بدلاً من هذا التقدير (مقولاً فيها) نقول الأصل فيها: أنها نافية ولا نحمله على النَّهي إلا بثبت، إذاً الواقع بعد (لا) النافية التوكيد فيها قليل.
قال في شرح الكافية: "وقد يؤكد بإحدى النونين المضارع المنفي بلا تشبيهاً بالنَّهي" وسبق أن النَّهي داخلٌ في الطلب (آتِيَاً ذَا طَلَبٍ) منه النهي، النفي مشبَّهٌ بالنهي، إذاً قال في شرح الكافية: "وقد يؤكد بإحدى النونين المضارع المنفي بلا تشبيهاً بالنهي" وهذا ما اختاره الناظم: أنه يجوز لكنَّه على قلة.
والجمهور على المنع .. جمهور النحاة على أنَّه لا يؤكَّد بعد (لاَ) النافية. أي: على منع التوكيد بالنون بعد (لاَ) النافية إلا في الضرورة ولهم في الآية تأويلات كثيرة جداً .. خلاف طويل بينهم في الآية، إذاً ثَمَّ خلافٌ في التوكيد بعد (لاَ) النافية، الجمهور على المنع وابن مالك رأى الجواز وهو قليل.
(وَغَيرَ إمَّا) هذا النوع الرابع، (وَغَيرَ إِمَّا) (غَير) هذا معطوفٌ على (لاَ)، (وَغَيرَ) مضاف و (إِمَّا) قصد لفظه، (مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا) هذا بيَّن به (غير) يعني ما هو؟ حال كونه (مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا) أي: وَقَلَّ بَعْدَ غَير (إِمَّا) الشرطية (مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا) معطوف على السابق.