وهذا مذهب البصريين فلا بدَّ عندهم من اللام والنون، فإن خلا منهما قُدِّرَ قبل حرف النفي، فإذا قلت (والله يَقُومُ زَيْدٌ) كان المعنى: نفي القيام عنه، -هذا غريب- (والله يَقُومُ زَيْدٌ) يعني (والله لا يَقُومُ زَيْدٌ)، لماذا؟ قالوا: لأنَّ التأكيد هنا واجب، فلما لم يوجد إذاً صار الكلام منفيَّاً مثل: ((تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ)) [يوسف:85] (تَفْتَأُ) هذا فعل مضارع وهو مثبت في الظاهر حينئذٍ نقول (تَاللَّهِ) هذا قسم وقع في الجواب، إذاً: لا بدَّ من التقدير.

وأجاز الكوفيون تعاقبهما وقد ورد في الشعر، يعني: قد تأتي اللام دون النون وقد تأتي النون دون اللام .. لا يُشْتَرط فيه فهو حسن لوجوده في الشعر.

وحكا سيبويه: (والله لأضْرِبُه) دون توكيد، لو كان واجباً لقال: (والله لأضْرِبَنَّه) لا بدَّ من التأكيد لكن هنا حكا سيبويه: (والله لأضْرِبُه) إذاً: لام قسم ووقع الفعل مثبتاً، وفي جواب قسم حينئذٍ لم يؤكَّد فدل على أنَّه ليس بواجبٍ.

وأما التوكيد بعد الطَّلب السابق فليس بواجب اتفاقاً (آتِيَاً ذَا طَلَبٍ) هنا ليس بواجبٍ اتفاقاً بين النحاة، واختلفوا فيه بعد (إمَّا) فمذهب سيبويه: أنَّه ليس بلازمٍ ولكنَّه أحسن يعني: يُسْتَحْسَن التوكيد وليس بواجبٍ.

ولكنَّه أحسن؛ ولهذا لم يقع في القرآن إلا كذلك .. إلا مؤكَّداً، لم تأت (إِنْ) الشرطية و (ما) الزائدة في القرآن إلا مؤكَّدة فدل على أنَّه هو الأحسن وهو الأفصح. وإليه ذهب الفارسي وأكثر المتأخِّرين أنَّه يُسْتَحْسَن التوكيد بعد (إمَّا) وليس بواجبٍ، وأما بعد الطَّلب فمحل وفاق أنَّه ليس بواجبٍ، وأمَّا بعد القسم فمذهب البصريين أنَّه واجبٌ.

وذهب المُبَرِّد والزجَّاج إلى لزوم النون بعد (إمَّا) يعني: يجب، ومذهب الجمهور أنَّه يستحسن، وزعم أن حذفها ضرورة، إذاً قوله:

. . . . . . . .... وَيَفْعَلْ آتِيَاً ... ذَا طَلَبٍ أَوْ شَرْطَاً امَّا تَالِيَا

أَوْ مُثْبَتاً فِي قَسَمٍ مُسْتَقْبَلاَ ... ......................................

أراد أن يبيِّن لنا فقط ما الذي يؤكَّد من الفعل المضارع، وليس مراده بيان ما الذي يجب، وما الذي يكثر، وما الذي فيه خلاف، وما الذي اتفقوا عليه، حينئذٍ نقول:

أَوْ مُثْبَتاً فِي قَسَمٍ مُسْتَقْبَلاَ ..

هذا واجب التأكيد، (ذَا طَلَبٍ) هذا كثير التأكيد، (إِمَّا) هذا مُخْتَلفٌ فيه والأحسن كما قال سيبويه وعليه الجمهور: أنَّه يؤكَّد، ولذلك لم يرد في القرآن إلا مؤكَّداً، (وَقَلَّ) قلَّ التوكيد، (بَعْدَ مَا وَلَمْ وَبَعْدَ لاَ وَغَيرَ إِمَّا) في هذه المواضع الأربعة، توكيد الفعل المضارع بعد (مَا) النافية (وَلَمْ) النافية و (لاَ) النافية (وَغَيرَ إِمَّا مِنْ طَوَالِبِ الجَزَا) يعني بعد (متى) الشرطية وبعد (حَيْثُمَا) وبعد (أين) كل هذه الألفاظ. بعد (غَيرَ إمَّا) إن الشرطية التي دخلت عليها (مَا) الزائدة التوكيد قليل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015