إذاً: (آتِيَاً ذَا طَلَبٍ) يعني صاحب طلبٍ، بمعنى أنَّه يكون مدلول الأداة داخلاً في مفهومه، إذا قيل (هلاَّ تَقُومَنَّ) تَقُومَنَّ هذا المراد به التَّحضيض، (ألا تَنْزِلَنَّ) تَنْزِلَنَّ المراد به التحضيض فالحرف مؤثِّر سواءٌ عمل أم لم يعمل، الحرف له دور في تغيير معنى الفعل.
حينئذٍ نقول (يَفْعَل آتِيَاً) حال كونه (آتِيَاً ذَا طَلَبٍ أَو شَرْطاً) وسبق أن النونين إنما يُؤَكِّدان الفعل ويخلِّصانه للاستقبال، حينئذٍ شرط الاستقبال يكون مأخوذاً في هذه الأنواع كلِّها، لا يؤكَّد الفعل المضارع إلا إذا كان دالَّاً على الاستقبال، وهذا إما أنَّك تأخذه من قوله (آتِيَاً) وإمَّا من قوله (ذَا طَلَبٍ أَوْ شَرْطاً) لأن الطَّلب إنما يكون تحقيقه في المستقبل، والشرط إنما يكون تحقيقه في المستقبل.
إذاً إمَّا أن نقول (آتِيَاً) هذا حالٌ من (يَفْعَل) حال كونه (آتِيَاً) وإمَّا أنَّه دالٌّ على الاستقبال، حينئذٍ الفعل المضارع إذا كان بمعنى الحال لا يؤكَّد، لأنَّك تريد به الحال الآن، (والنونان) تخلِّصانه إلى المستقبل فتنافيا .. حصل التنافي بينهما، وإنما يؤكَّد ما كان معناه الاستقبال، إذا كان معلَّقاً على شرط (إمَّا تَرَيِنَّ .. فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ .. فَإِمَّا تَثْقَفَنَّ) نقول هذا المراد به تحقيقه في المستقبل، إذاً جاز تأكيده إذاً لا تعارض بين الفعل المضارع إذا كان دالَّاً على الاستقبال وبين تأكيده بنوني التوكيد الثقيلة والخفيفة، لأن كلاً منهما دالٌّ على الاستقبال فاتَّحدا، كأنَّه أكَّد المعنى الدَّال في المستقبل .. الحدث الذي سيقع في المستقبل.
وأمَّا إذا كان الفعل دالَّاً على الحال فيمتنع لوقوع التَّنافي والتَّضاد بينهما كما هو الشأن في الفعل الماضي، إذاً (وَيَفْعَل آتِيَاً ذَا طَلَبٍ أَو شَرْطاً) إنَّما يكون الطَّلب في المستقبل وإنَّما يكون الشرط في المستقبل، إذاً يُشْتَرط في (يَفْعَلْ) الذي ذكره الناظم هنا: أن يكون معناه (الاستقبال) احترازاً من ما لو كان معناه (الحال) وأما الماضي هذا سيأتي بعد قوله: (وَقَلَّ بَعْدَ مَا وَلَمْ).
................ آتِيَا ... ذَا طَلَبٍ أَوْ شَرْطاً امَّا تَالِيَا
يعني: أن يقع بعد (إِنْ) الشرطية وزيدت عليها (مَا) بهذا اللفظ (إِمَّا) ((فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ)) [الأنفال:57] في مثل هذا التركيب يؤكَّد الفعل المضارع بالنونين، والذي سوَّغ ذلك كما ذكرناه: وقوعه بعد الشرط والشرط دالٌّ على الاستقبال.
(أَوْ شَرْطاً) يعني أو آتياً شرطاً: هذا معطوف على (ذَا) أو ذا شرطٍ يعني صاحب شرطٍ، (إِمَّا تَالِيَاً) (شَرْطاً تَالِيَا إمَّا) فـ (تَالِيَاً) هذا نعت لـ (شَرْطاً)، أي شرطاً تابعاً (إِنْ) الشرطية المؤكَّد بـ (مَا) لأن (مَا) زائدة وأفادت التأكيد، ((فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ)) [الأنفال:57] أصل التركيب: فَإِن ما تَثْقَفَنَّهُمْ (إن) الشرطية، تَثْقَفَنَّهُمْ: هذا فعل مضارع وقعت (مَا) زائدةً بعد (إن) فأُدْغِمت النون في الميم.