إذاً القول الثاني: أنها أفعال اسْتُعْمِلت استعمال الأسماء، أفعالٌ من حيث المعنى لا من حيث اللفظ، لا يُمكن أن يُقال: اللفظ نفسه فعلٌ، ثُمَّ نقول: استُعمِل استعمال الأسماء هذا جمعٌ بين نقيضين! وإنما نقول: هذا يُحمل على القول الآخر الذي يُفَسَّر بأن اللفظ وُضِع وهو اسمٌ لكن لمعنى الفعل، فهو مُساوٍ له في المدلول (صَهْ واسكت) في اللفظ متغايران، (صَهْ) اسمٌ و (اسكت) فعلٌ، ومعناهما مُتَّحد، وهذا ضعيف، لماذا؟ لأن معنى الاسم مُغاير لمعنى الفعل، كلمةٌ دلَّت على معنى في نفسها واقترنت .. ، وتلك لم تقترن، إذاً: كيف يقال: بأن المعنى مُتَّحد؟ هذا ضعيف، على كلٍّ الصواب هو الأول.
وذهب الكوفيون: إلى أنها أفعالٌ حقيقةً، لدلالتها على الحدث والزمان، والدليل على أنها أسماء – القول الراجح -: أن منها ما هو على حرفين أصالةً مثل (صَهْ) ولا يَتصل بها ضمائر الرفع البارزة، ولذلك (صَهْ) يُستعمل للواحد، والمثنَّى، والجمع، والمذكَّر، والمؤنَّث، تقول للرجل (صَهْ) وللمرأة (صَهْ) وللاثنين (صَهْ) وللجماعة (صَهْ) وللألْف (صَهْ) .. كلمة واحدة (صَهْ)، لا تحلقها الضمائر البارزة، بخلاف (اضرب .. اضربا .. اضربوا .. اضربن .. اضربي) هذه تلحقها الضمائر البارزة، إذاً: (صَهْ) أسماء الأفعال لا يتصل بها ضمائر الرفع البارزة.
ومنها: مَا يُخالف أوزان الأفعال نحو: (نَزَالِ .. فعال) ليس في الفعل ما هو على وزن (فَعَالِ) إذاً: جاء منها ما ليس له نضير في الأفعال، وهذا يدل على أنها ليست أفعالاً، وأن الطَّلَبي منها لا تَلْحقُه نون التوكيد .. (صَهْ) لا تَلحقُه نون التوكيد، مع أن الفعل الطَّلبي تلحقه نون التوكيد كما سيأتينا إن شاء الله.
إذاً: الطَّلبيُّ من أسماءِ الأفعال لا تلحقه نون التوكيد، والفعل الطَّلبي تلحقه نون التوكيد، حينئذٍ لمَّا فُرِّق بينهما مع أن كلاً منهما طَّلبيٌّ دَلَّ على أن ما لا تلحقه نون التوكيد مع كونه طَلبياً ليس بفعلٍ، ومنها ما يُنوَّن (صَهٍ) هذا التنوين تنوين تنكير، وهو من علامات الأسماء، بل كما سيأتي أن بعضهم قال: كُلها معارف.
إذاً: الصحيح أنها أسماء أفعال، ليست بأفعالٍ اسْتُعْملت استعمال الأسماء، وليست بأفعالٍ حقيقةً تَدُل على الزمان والحَدَث، وأمَّا دلالتها .. تَدُل على أي شيء؟ فعلى الصحيح أن مدلولها لفظ الفعل، لا الحَدَث ولا والزمان، وليس المراد أنها لا تَدُل على الحدث والزمان مُطلقاً، لا، وإنما لا تَدُلُّ مباشرةً، لأنها لو دلَّت مباشرةً على الحدث والزمان لكانت فعلاً، لأن هذا مدلول الفعل، حينئذٍ إذا قيل (صَهْ) مدلوله (اسكت) ومدلول (اسكت) الحدث والزمان، إذاً: دَلَّ على الحدث والزمان لكن بواسطة لفظ الفعل، فمُسمَّى (صَهْ) لفظٌ، كما سبق معنا مراراً: أن مُسمَّى اللفظ قد يكون لفظاً، كما أنه يكون معنىً، ويكون زمناً، حينئذٍ: (صَهْ) مدلوله (اسكت) و (اسكت) مدلوله الحدث والزمن.