كذلك هنا اسم الفعل أُقِيم مُقَام الفعل، حينئذٍ صار اسماً مُسمَّاه الفعل، ومُسمَّى الفعل هو الحدث والزمان، فـ (صَهْ) اسمٌ، مُسمَّاه: اسْكُت، (اسْكُت) مسماه: طلب السكوت وهو الحدث في الزمن المستقبل.
إذاً: كالقول في المصدر، حينئذٍ: أُقيِمت هذه الأسماء مُقَام الأفعال، ما الفائدة .. لماذا نقول: صَهْ، ما نقول: مباشرة: اسْكُت؟ قالوا: فيها فائدة، فائدة وضْعِه وعدم الاستغناء بِمسمَّاه الذي هو الفعل: قَصْد المبالغة، فإن القائل (أُفّ) مثلاً كأنه قال (أتَضَجَّرُ كثيراً جداً) إذاً: أفاد المبالغة، ليس المراد (أتضجَّر) فحسب، نقول: (أُفٍّ) اسم فعلٍ، مُسمَّاه (أتضجَّر) هل مدلوله مُجرَّد مدلول (أتَضَجَّر) فحسب؟ لا، لا يَدُل على الحَدَث فحسب، وإنما يَدُل على حدثٍ مؤكَّد، كأنه قال: (أتَضَجَّر كثيراً جداً) إذاً: أفاد المبالغة، فإذا أرَدْتَ (التضجُّر) الذي ليس بالكثير، تقول: (أتضجَّر من هذا الأمر) وإذا أردت المبالغة في هذا ما تأتي بـ (أتضجَّر) وإنما تقول: (أُفٍّ) يعني: بلغ السيل الزبى! (أتضجَّر من هذا الشيء كثيراً جداً).
والقائل: (هَيْهَاتَ) فإنه قال: (بَعُدَ جداً) .. بَدَل أن تقول (بَعُدَ) هذا ما يحتمل أنه كثير، لأن الحدث يصدق على أقلِّه هذا الأصل، أقل ما يصدق عليه أنه (بُعْد) فتقول: (هَيْهَاتَ) وأمَّا إذا أرَدْتَ البُعْد البعيد جداً فتقول: (هَيْهَاتَ) تأتي باسم الفعل.
إذاً: ثَمَّ فائدة من وضع هذه الألفاظ .. أسماء الأفعال، حينئذٍ تَدُل على المسمى وهو الفعل لكن مع زيادة تأكيدٍ، هذه الفائدة من وضع هذه الألفاظ.
وهذه الألفاظ أسماءٌ حقيقةً على الصحيح، أسماء وليست بأفعال، ثَمَّ خلافٌ بينهم.
وهذه الألفاظ أسماءٌ حقيقةً على الصحيح، وهو قول جمهور البصريين، وقيل: أفعالٌ اسْتُعْمِلت استعمال الأسماء، وذهب الكوفيون: إلى أنها أفعالٌ حقيقة لدلالتها على الحَدَث والزَّمان، إذاً ثلاثة أقوال:
- أسماء حقيقةً، يعني: اسم مثل: زيد وعمرو وخالد.
- والقول الثاني: أفعالٌ اسْتُعْمِلت استعمال الأسماء.
- والقول الثالث: أنها أفعالٌ حقيقة، مقابل قول البصريين، وهو قول الكوفيين.
ما الفرق بين القول الأول والثاني .. أو الثاني والثالث .. أفعالٌ اسْتُعْملت استعمال الأسماء .. كيف أفعال ويُسْتَعمل استعمال الأسماء، الفعل والاسم ما يجتمعان!
الظاهر والله أعلم أن مرادهم من حيث المعنى: هي أسماء في اللفظ، لكن المراد بها ما يُراد بالفعل، ولذلك قيل أن أسماء الأفعال: لفظٌ الفعل، وقيل: أسماءٌ مُسمَّاها معنى الفعل، يعني: اسمٌ مدلوله مدلول الفعل .. المعنى، وقيل: اسمٌ مدلوله لفظ الفعل نفسه، وفرقٌ بين أن يقال: مدلوله لفظ الفعل الذي هو (اسْكُت) وبين أن يُقال: مدلوله معنى الفعل الذي هو (طلب السكوت) وهذا دَالٌّ على حدثٍ وزمن، حينئذٍ: كأن اللفظ وُضِع وَضع الأسماء ولكن معناه معنى الأفعال، ولذلك سيأتي أن: أسماء الأفعال قيل كلها مَعَارف، وإن كان الصحيح التفصيل فيها، لكن منها ما يدخل عليه التنوين كـ (صَهْ) و (أُفٍّ) ونحوها.