(كَنِدَاءٍ) أي: جَاء صورة النداء لفظاً توسعاً، وهذا وجه الشبه بينهما: كونه على صورته غالباً، لئلا يَرِد أن المنصوب على الاختصاص المقرون بـ (أل) ليس على صورة المنادى، لأنه لا يكون تالياً لـ (أل) .. (نَحْنُ العُرْبَ) ما وجه الشبه هنا؟ ليس فيه شبه، لأن العُرْب هنا لا يُمكن أن يكون تالياً لـ (يا) لأنه مُحلىً بـ (أل)، وأمَّا (أيُّها) و (أيَّتها) يُمكن أن يكون المنصوب على الاختصاص في (أيُّ) و (أيَّتها) أن يكون تالياً لـ (يا) وهذا واضح بَيِّن.
ويُمكن أن يكون وجه الشبه بين الاختصاص والنداء: أن كُلاً من الاختصاص والنداء يُوجد معه الاسم تارةً مبنياً على الضَّم، وتارةً منصوب، انظر! تَكلُّف في جَعْل شبه بين النداء والاختصاص، إذاً: نَفْصله ابتداءً، ونقول: هو نوعٌ من المنصوبات ولا يَلزم أن نقول: مِثْل النداء، ثُمَّ نَحكم عليه بأنه كالمنادى، ثُمَّ نأتي ونتكلَّف في وجه الشبه بينهما، لأن الشبه بعيد جداً، كلٌ منهما مُنفصل عن الآخر، ولذلك تَكلَّفوا؛ لأنه في وجه الشبه الأول قول: أنه يأتي المنصوب على الاختصاص بـ (أيُّها وأيَّتها) والمنادى كذلك (يا أيُّها .. يا أيَّتها) قد يرد عليكم (نَحْنُ العُرْبَ) قالوا: هذا من غير غالب، والغالب (أيُّها وأيَّتها).
قول آخر في وجه الشبه: أن المنصوب على الاختصاص تارةً يكون مبنياً في اللفظ وهو (أيُّها وأيَّتها)، وتارةً يكون منصوباً (نَحْنُ العُرْبَ) ظَهَر، مثل: يا طالعاً جبلاً .. يا غلام زيدٍ .. (يا أيُّها) هذا مثل (يا زيد)، إذاً: تارةً يكون مبنياً، وتارًة يكون مُعرَباً، يَرد على هذا وجه الشبه: أن عِلَّة البناء هناك ليست هي عِلَّة البناء هنا، (أيُّ) بُنِيت هناك لِعلَّةٍ تقتضي البناء، وهنا مُغايرة، إذاً: ما وجه الشبه؟ لا وجه.
كذلك قيل الثالث: أن كلاً منْهما منصوبٌ بِفْعلٍ محذوف وجوباً، وهذا لا يقتضي أن يكون مثله، لأن التحذير قد يُنصَب بِفْعلٍ مَحذوفٍ وجوباً، وكذلك الإغراء قد يكون مُنصوباً بِفعلٍ محذوف وجوباً، إذاً: وجِدَت العِلَّة والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.
على كلٍ: الظاهر والله أعلم .. يعني: نَتَجَاسر على النحاة ونقول: لا وجه شبه أصلاً بين البابين: باب الاختصاص مُختَص مُنْفصل، وباب النداء مُنْفَصل، ولذلك أحسن السيوطي أيَّما إحسان عندما قال: " ومنه – أي: المفعول به - ما نُصِب على الاختصاص، من المنصوب مفعولاً به بِفعلٍ واجب الإضمار باب الاختصاص، وقَدَّره سيبويه بـ: (أعني) هذا أولى.
إذاً: (الاِخْتِصَاصُ كَنِدَاءٍ دُونَ يَا) وأخواتها لفظاً ونِيَّةً، كقولكِ: (يَا أَيُّهَا الفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونِيَا) (بِإِثْرِ) يعني: بَعْدَه، حينئذٍ مَثَّل لك بـ (أَيُّ) ومثلها (أيَّتها).