(يا أيُّها الذي قام أبوه) نقول: وصف بـ (الَّذي) أمَّا هنا في باب الاختصاص، ولو كان الاختصاص مِثَل النداء يشبهه إلا أنه لا يُوصَف (أَيُّ) باسم الإشارة ولا بالموصول كما هو الشأن في (أَيُّ) في باب النداء، إذاً: لا تُوصَف باسم الإشارة ولا بالموصول كما في النداء.
وفُهِم من قوله: (ارْجُونِي) أنه لا بُدَّ أن يَتقدَّمها كلام وهو كذلك، لأن الفعل الذي يُقَدَّر في الأصل، في الأصل أنه لا يكون إلا مُتوسطاً حَشْواً، إلا في باب الإغراء كما سيأتي: (أخاك أخاك) يعني: الزم أخاك، (الصَّلاَةَ جَامِعَةً) يعني: احضروا الصلاة، فـ (ارْجُونِي) أنه لا بُدَّ أن يَتقدَّمها كلامٌ، لذلك قيَّده الناظم قال: (أَيُّهَا الفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونِيَا).
إذاً: لا بُدَّ أن يَتقدَّم على المنصوب على الاختصاص كلامٌ، ولا يكون في أول الكلام، وأنه لا بُدَّ أن يكون فيه ضمير المتَكلِّم، ولذلك خَصَّه من خَصَّه في التعريف السابق: تَخصِيصُ حُكمٍ عُلِّق بضمير ما تأخر عنه، الذي تأخر هنا: (أَيُّهَا الفَتَى) تأخر عن الضمير المُتَقَدِّم، وهو في (ارْجُونِي) الياء.
وفُهِم من قوله: (كَنِدَاءٍ) أنه منصوبٌ بفعلٍ محذوفٍ واجب الحذف، لأن المنادى قلنا: منصوب لفظاً أو مَحلاً، والعامل فيه فعلٌ محذوفٌ واجب الحذف، مِثْله هنا لأنه قال: (كَنِدَاءٍ) إذاً: هذه الأحكام كلها مأخوذة من تَصْريح الناظم:
?لاِخْتِصَاصُ كَنِدَاءٍ دُونَ يَا ... كَأَيُّهَا الفَتَى بِإِثْرِ ارْجُونِيَا
(ارْجُونِيَا) الألف هذه للإطلاق، (ارْجُونِي) مثل (ادعوني).
(الاِخْتِصَاصُ) وهو خبر (كَنِدَاءٍ) لماذا قيل: (كَنِدَاءٍ)؟ أي: جاء على صورة النداء، تفسير وجه الشبه هنا بين الاختصاص والنداء: أن الاختصاص جاء على صورة النداء لفظاً، توسُّعاً، وهذا وجه الشبه بينهما: كونه على صورته غالباً، لأنه سيأتي أنه لا يُسْتَعمل (أيُّ) و (أيَّتها)، الغالب والأصل في باب الاختصاص: أن المفعول الذي يُنصب على الاختصاص (أيُّها) و (أيَّتها) هذا الغالب، إذاً: الاختصاص أشبه النداء في كونه على صورته غالباً، ومن غير الغالب (نَحْنُ العُرْبَ) ما جاءت (أيُّ).
حينئذٍ نقول: غالباً يكون المنصوب على الاختصاص (أيُّها) و (أيَّتها) هذا وجه الشبه بين النداء والاختصاص، ولذلك أرى أنَه لو فُصِل الباب عن باب النداء لكان أولى، لأن الأحكام كلها السابقة لا تتأتى في النداء .. لا تتأتى في باب الاختصاص، لكن لا أدري لماذا جعلوا الباب مرتبطاً بالنداء؟! أمَّا الاستغاثة ونَحوها الأمر واضح، يُستعمل بعض أحرف النداء، أمَّا هنا معمول لفعل محذوف (أخصُّ) وهناك (أدعو) إذاً فرقٌ بينهما، على كلٍّ: هذا ما جرى عليه النحاة.