لضرورة أن الألف لا يكون قبلها إلا فتحة، والتنوين لا حظ له في الحركة، فعِلَّة وجود حَذْف التنوين هي التخلص من التقاء الساكنين، وهذا مذهب سيبويه والبصريين: (أنه يجب حذف التنوين كما تُحْذَف الألف).
وأجاز الكوفيون فيه مع الحذف وجهين، يعني: جَوَّزوا ما ذهب إليه سيبويه وهو: حذف التنوين، فيُقال: (يا غلام زيدا) عند الكوفيين كما هو الشأن عند البصريين، لكن جَوَّزوا مع ذلك وجهين: فتحه وكسره. جَوَّزوا مع حذف التنوين وجهين: فتحه فتقول: (واغلام زيدنا) يبقى التنوين ويُحرَّك: ((عَاداً الأُولَى)) [النجم:50] هذا بالكسر.
إذاً: قد يُحرَّك التنوين لأنه نون، وإذا كان نوناً فحينئذٍ النون تقبل الحركة، فأثبتوه كما هو، قالوا: بدلاً من حذفه، لأنه حرف معنى، حينئذٍ إذا كان حرف معنى فالأصل: بقاؤه ولا يجوز حذفه إلا عند عدم تَمكُّن تحريكه، وقد أمكن تحريكه. فقالوا: تقول: (واغلام زيدناه) زيدٍ قالوا: نبقيه ونُحرِّكه بالفتحة، هذا مذهب جيِّد.
وكسره مع قلب الألف ياءً، إذا كُسِر التنوين .. نون مكسورة وجاء بعدها الألف، معلوم أن الألف إذا كُسِر ما قبلها قُلِبَت الألف ياءً، كما أنه إذا ضُمَّ ما قبلها قُلِبَت واواً، فقيل: (واغلام زَيِدَنِيهِ) .. (زَيدَنِيهْ) بإسكان الهاء .. هاء السكت هذه .. تكون ساكنة، (واغلام زَيدَنِيهْ) النون التي هي التنوين مكسورة، ثم جاءت بعدها ألف الندْبَة، فجاءت الألف وقبلها مكسور، وجب قلب الألف ياءً فقيل: (واغلام زَيدَنِيهْ) بإسكان الهاء.
إذاً قوله: (كَذَاكَ) أي: يُحْذَف لأجل ألف الندْبَة (تَنْوِينُ الَّذِي بِهِ كَمَلْ مِنْ صِلَةٍ أَوْ غَيرِهَا) هذا واجبٌ عند سيبويه والبصريين، وأمَّا عند الكوفيين فليس بواجب، وإنما هو جائز مع كسر أو فتح التنوين، يجوز الكسر ويجوز الفتح، إلا أنه إذا فُتِحَ بقيت الألف على حالها، وإذا كُسِر قلبت الألف ياءً.
قال الشارح هنا: يَلحق آخر المُنَادى المندوب ألفٌ .. انظر: حَكَم بكون المندوب مُنَادى. ألفٌ نحو: (وازيدا) ويُحْذَف ما قبلها إن كان ألفاً كقولك: واموساه، فحُذِف ألف موسى وأُتي بالألف للدلالة على الندْبَة، أو كان تنويناً في آخر صلةٍ أو غيرها، نحو: (وامن حفر بئر زمزما) هاء السَّكْت ليست بلازمة، ونحو: (يا غلام زيداه) فأتي بالألف هنا وحُذِف التنوين، وهذا على مذهب البصريين واجب، ولا يجوز تحريك التنوين البتة، وجَوَّزه الكوفيون فتحاً وكسراً.
وَالشَّكْلَ حَتْمَاً أَوْلِهِ مُجَانِسَا ... إِنْ يَكُنْ الْفَتْحُ بِوَهْمٍ لاَبِسَا
(وَالشَّكْلَ) أي: الحركة، ابن مالك يُطلق على الحركة (الشكل):
وَإِنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ يُجْتَنَبْ ..
فالشكل، يعني: الحركة، (وَالشَّكْلَ حَتْماً أَولِهِ حَرْفاً مُجانِساً) قلنا: الألف يلزم ما قبلها أن يكون مفتوحاً، حينئذٍ إذا كان المندوب مفتوحاً في أصله فلا إشكال: (واأحمداه) .. جاءت الألف، (وازيداه) كذلك لا إشكال.
وإذا كان مكسوراً .. آخره كسر أو ضَّم، حينئذٍ وجب قلب الكسرة فتحة لمناسبة الألف، ووجب قلب الضَّمَّة فتحة لمناسبة الألف.