الثالث مِمَّا أشار إليه الناظم: (عَبْدَ) وهو بقلب الياء ألفاً وحذفها والاستغناء عنها بالفتحة، أصله: يا عبدي، قُلِبَتْ الياء ألفاً، والألف لا يناسبها ما قبلها إلا مفتوحاً، ونُقِلَتْ الكسرة صارت فتحة، حُذِفَتْ الألف فقال: (عَبْدَ) .. (يَا عبْدَ) .. (يا غُلَامَ) حينئذٍ نقول: هذه الفتحة بدلٌ عن الكسرة، لماذا قلبت الكسرة فتحة؟ لأن الياء انقلبت ألفاً، والألف لا يناسبها ما قبلها إلا أن يكون مفتوحاً.
حينئذٍ عَبْدِ بالكسر استغناءً بها عن الياء هذا حُذِفَتْ الياء أصلاً، يعني: ليست مُنْقَلبة، وبقيت الكسرة على أصلها، وأمَّا: (عَبْدَ) حينئذٍ نقول هنا: حُذِفَتْ الألف لكنها فرعٌ عن الياء، وبقي دليلها وهو الكسرة منقلبة إلى الفتحة. إذاً: قلب الياء ألفاً وحذفها، والاستغناء عنها بالفتحة، نحو: يَا عَبْدَ، هذا أجَازه الأخْفَش، والمازني، والفارسي، ونُقِلَ عن الأكثرين المنع: بأن تبقى الألف: يَا عَبْدَا، ولا تحذف.
وأمَّا قلبها فهو وارد .. وارد في فصيح الكلام: ((يَا حَسْرَتَا)) [الزمر:56] .. ((يَا أَسَفَى)) [يوسف:84]، هذا وارد في الفصيح، فقلب الياء ألفاً لا إشكال فيه ثابتٌ في فصيح الكلام، وأمَّا حذفها والاجتزاء بالفتحة هو الذي منعه الجمهور: عَبْدَا هو أصل: عَبْدَ، يعني: قُلِبَتْ الياء ألفاً وفُتِحَ ما قبلها لمناسبة الألف فبقيت كما هي، إذاً: أيهما أصل، وأيهما فرع؟ عَبْدَا بالألف أصل، والتي تليها .. التي هي حذف الألف وإبقاء الفتحة دليلاً عليها هذه فرع، ولكن قَدَّم وأخر هنا كما ذكرنا للنظم.
إذاً الرابع: أشار إليه بقوله: (عَبْدَا) وهو قلبها ألفاً، لتَحَرُّكِها وانفتاح ما قبلها، لأن الألف أخف من الياء، حينئذٍ هذه الألف هل هي اسمٌ أم حرفٌ؟ اسمٌ لأنها مُنْقَلِبة عن اسمٍ، ليست كالياء المُنْقَلِبة في (فتى) مثلاً أو (رمى) تلك نقول: حرف، لأنها مُنْقَلِبة عن حرف: فَتَيا .. رَمَيا هذا الأصل، حينئذٍ: رميا نقول: تَحرَّكت الياء وانفتحَ ما قبلها فَقُلِبَتْ ألفاً، هذه الألف حرف لا شك، لأنها مُنْقَلِبة عن حرف، وأمَّا: (عَبْدا) الأصل: عبدِيَ، نقول: قُلِبَت الكسرة فتحةً للتمكُّن من قلب الياء ألفاً، فقيل: تَحرَّكت الياء وانْفَتح ما قبلها فقُلِبَت ألفاً فصار: عَبْدا، بقيت كما هي.
ومنه قوله تعالى: ((يَا حَسْرَتَا)) [الزمر:56] .. ((يَا أَسَفَى)) [يوسف:84] .. يا حسرتي: هذا الأصل، يا أسفي .. يا أسفي على يوسف .. هذا الأصل، فحصل فيها ما حصل.
إذاً: قَلْبُها ألفاً وإبقاؤها، وقلب الكسرة فتحة، وقلبت لماذا؟ كما ذكرنا: لِتَحرُّكها وانفتاح ما قبلها، لأن الألف أخف من الياء، والظاهر أن هذه الألف اسمٌ، لأنها مُنْقَلِبةٌ عن اسمٍ، فهي مضاف إليه في محل جر، ((يَا حَسْرَتَا)) [الزمر:56] حسرتا تقول: هذا منادى منصوب، ونصبه فتحة مُقدَّرة، حسرتا نقول: هنا منادى منصوب لأنه مضاف ومضاف إليه، فهو منصوب على الأصل، والفتحة مُقدَّرة، وهذه الفتحة الموجودة: يا حسرَتَا .. يا غُلامَا، ليست حركة إعراب، وإنما هي حركة مناسبة، لأنها في الأصل مُنْقَلِبة عن الكسرة التي لمناسبة الياء، وهذه لمناسبة الفتحة.