وفي الثالث: العطف على معمُوليِّ عاملين مختلفين: ما كل بيضاء شحمَة ولا سوداء، لا بُدَّ من تقدير عامل لئلا يلزم هنا العطف على معمولين لعاملينِ مختلفينِ، والعاملان: (ما) و (كل)، والمعمولان: بيضاء وشحمَة.
إذاً (دَفْعَاً لِوَهْمٍ اتُّقِي) لا بُدَّ من تقدير عاملٍ محذوفٍ بعد الواو، عطفت الواو ذلك العامل المزال المحذوف مع بقاء عمله، وهذا خلاف الأصل، وإنما يُلجأ إليه (دَفْعَاً لِوَهْمٍ اتُّقِي) دُفِعَ: حُذِرَ يعني، (اتُّقِي) أي: الوهمُ، والجملة صفة لوهمٍ، (دَفْعَاً) مفعولٌ لأجله، و (لِوَهْم) مُتَعلِّق بـ: (دَفْعَاً) لأنه مصدر، و (اتُّقِي) هذا فعل وفاعل، الفاعل ضمير مستتر تقديره هو يعود على الوهم، والجملة في محل صفة لوهمٍ.
إذاً:
وَالفَاءُ قَدْ تَحْذَفُ مَعْ مَا عَطَفَتْ ... وَالْوَاوُ إِذْ لاَ لَبْسَ وَهْيَ. . . . .
أي: الواو دون الفاء، بل دون سائر حروف العطف (انْفَرَدَتْ بِعَطْفِ عَامِلٍ) قد أزيِل .. حُذِفَ، وبقي معموله دفعاً لوهمٍ يمكن أن يتلبس بالتركيب.
فائدة: وقد يُحذف العاطف وحده على قول الفارسي، وابن عصفور، ومنعه ابن جني والسهيلي، يَمر معنا: أن هذا على إسقاط حرف العطف، وهذه المسألة فيها نزاع كما ذكرنا، هل يحذف أو لا؟ نقول: يُحذف العاطفُ وحده على قول الفارسي ومن ذُكر معه، وإنما جاز حذف حرف الاستفهام اتفاقاً؛ لأن للاستفهام هيئة تُخالف هيئة الإخبار، يعني: زيدٌ قائمٌ، هذا له هيئة تُخالف هيئة الإخبار، حينئذٍ جاز حذف حرف الاستفهام اتفاقاً، هذا متفق عليه، وإنما وقع النزاع فيما عدى حرف الاستفهام.
ومنه: كيف أصبحت كيف أمسيت؟ يعني: وكيف أمسيت؟ وفي الحديث: {تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ} قالوا: هذا على حذف حرف العطف، يعني: تصدق رجل من ديناره، ومن درهمه، ومن صاع بره، ومن صاع تمره، هذا نقول: على حذف حرف العطف.
وحكا أبو عثمان عن أبي زيد، أنه سُمِعَ: أَكَلتُ خُبزاً لَحْماً تَمْراً، يعني: جمع بينها كلها: أكلت خبزاً ولحماً وتمراً، ولا يكون ذلك إلا في الواو و (أو)، يعني: الحذف .. حذف حرف العطف، إن جاز إنما يكون في الواو و (أو) على جهة الخصوص، وأمَّا ما عادها فلا، لكثرة استعمال الواو، وإذا حذفت الواو قد يُعْلَم أن ثَمَّ عطف، وحينئذٍ لو كان بالفاء و (ثُم) و (أم) نقول: لا يصلح، لماذا؟ لأن هذه لها معاني خاصة، فإذا حذفت قد يُوقع في اللبس.
وكذلك الواو لا تُحذف إذا أوقع حذفُها في اللبس، كأن يُتَوقع أن ما بعدها بدل مما قبله أو عطف بيان ونحو ذلك، إذا احْتُمِلَ ذلك مُنِعَ، وأمَّا إذا ظهر العطف حينئذٍ على رأي ابن مالك ومن ذُكِرَ: يجوز حذف الحرف بشرط أن يكون واواً، أو (أو).