مثال الفاء قوله تعالى: ((فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَت)) [البقرة:60] هنا ظاهر اللفظ غير مُراد، لماذا؟ لأننا لو قلنا: ((فَانفَجَرَت)) [البقرة:60] ليس ثَمَّ معطوف .. محذوف، حينئذٍ وقع الانفجار في مقابل: ((فَقُلْنَا اضْرِبْ)) [البقرة:60] .. ((اضْرِبْ فَانفَجَرَتْ)) [البقرة:60] إذاً: موسى ليس له دور في هذه المعجزة، فحينئذٍ نقول: إذا جعلناه على ظاهره ((اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ)) [البقرة:60] انفجار الحجر صار مقابلاً لأمر الله تعالى: ((اضْرِب ْفَانفَجَرَت)) [البقرة:60] إذاً موسى مأمور بأي شيء؟ إذاً: فضربَ فانفجرت، إذاً: الفاء هي حرف العطف، وضرب: هذا معطوفٌ على قوله: (فَقُلنا).
((فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ)) [البقرة:60] أي: فضرب فانفجرت، وهذا الفعل المحذوف معطوفٌ على: (فَقُلنا) إذاً: من ظاهر السياق قرينة واضحة بينة أنه لا يمكن أن يكون قوله: فانفجرت مقابلاً لقوله: اضرب أو فقلنا، لماذا؟ لأنه لو كان الأمر كذلك على ظاهره، لما كان لأمر موسى شأن، وإنما المراد أن يظهر لموسى فضل هذه المعجزة، حينئذٍ لا بُدَّ من تقديرٍ، ونقول هنا: حذفت الفاء مع مدخولها، وهذا جائزٌ متفقٌ عليه.
ومَثَّل بعضهم بقوله تعالى: ((فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)) [البقرة:184] فأفطر .. جمهور الفقهاء على تقدير: فأفطر، خلافاً لابن حزم رحمه الله تعالى، إذا لم نُقدِّر وجعلنا الظاهر هو المراد، حينئذٍ كل من كان مريضاً أو على سفر صام أو لا عليه القضاء، وبهذا قال ابن حزم رحمه الله تعالى، أمَّا إذا جعلنا ثَمَّ محذوفاً وهو الفاء ومعطوفها، حينئذٍ نُقدِّر: فأفطر فعليه عدةٌ، عدةٌ ما إعرابه؟ مبتدأ، أين خبره؟ فعليه، يعني: محذوف، إذاً عدةٌ: هذا مبتدأ، وعليه: هذا خبر محذوف، فعليه عدةٌ مطلقاً سواءٌ صام أو لا، ودلت السنة على خلاف هذا، فحينئذٍ علمنا أن في الآية محذوفاً وهو: فأفطر، الفاء ومدخولها.
وَالْفَاءُ قَدْ تُحْذَفُ مَعْ مَا عَطَفتْ ... وَالْوَاوُ. . . . . . . . .
مثاله في الواو قول القائل:
فَمَا كانَ بَيْنَ الخَيرِ لَوْ جَاء سَالماً ..
فما كان بين الخير وبيني، حذف الواو مع معطوفها، ومثله قوله تعالى: ((سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ)) [النحل:81] أي: والبرد، حذف الواو مع مدخولها، وهذان الحكمان: حذف الواو أو الفاء مع معطوفهما متفقٌ عليه بين النحاة.
إذاً:
وَالْفَاءُ قَدْ تُحْذَفُ مَعْ مَا عَطَفتْ ... وَالْوَاوُ. . . . . . . . .
لكنه قليل .. هذا الأمر قليل ليس بالكثير، إنما في مواضع، ولذلك نشترط فيه: أن يكون ثَمَّ قرينة واضحة بينة تدل على حذف حرف العطف والمعطوف.
(والْفَاءُ قَدْ تُحْذَفُ مَعْ مَا عَطَفتْ) مع ما عطفته .. يعني: مع معطوفها.
(والْوَاو كذلك إِذْ لاَ لَبْسَ) قَيَّده الناظم: (ِإذْ لاَ لَبْسَ) هو قيد فيهما، يعني: في حذف الفاء مع معطوفها، والواو مع معطوفها، لأنه ذكر جملتين ثُم ذكر: (إِذْ لاَ لَبْسَ).