قال النحاة: التخيير والإباحة يكونان بعد الطلب ملفوظاً أو مقدراً، والمراد بعد الطلب يعني: صيغة الطلب، وما سواهما يكون بعد الخبر. الكلام: إمَّا طلب وإمَّا خبر: خذ من مالي ديناراً أو درهماً: جاء بعد: خذ، وهو طلب، جالس الحسن أو ابن سيرين: جاء بعد طلب، إذاً: التخيير والإباحة يكونان بعد الطلب ملفوظاً بهما أو مقدراً، والمراد بعد الطلب أي: صيغته، وما سواهما من المعاني التقسيم والإبهام والشك والتشكيك مثلاً أو الإضراب فبعد الخبر.

مَثَّلوا للمُقدَّر من الطلب، قوله تعالى: ((فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)) [البقرة:196] ففديةٌ، يعني: فليفعل .. ليفعل فديةٌ، وصَرَّح الشاطبي: بأن الذي يختص بالخبر الشك والإبهام، وأمَّا الباقي فيستعمل في الموضعين.

(وَإِضْرَابٌ بِهَا أَيْضَاً نُمِي) إذاً: تأتي للإضراب (أوْ) عند الناظم، فيقال: جاء زيدٌ أو عمروٌ، يعني: بل عمروٌ .. أضرب عن الأول يعني: أراد أن يقول: جاء عمرو، فقال: جاء زيد، أو عمروٌ يعني: بل عمروٌ، تبين له أنه يحتاج إلى إضراب فأتى بـ (أوْ). وللإضراب: وهذا في قول الكوفيين وأبي علي وابن جني مطلقاً، يعني: تأتي (أوْ) مطلقاً دون قيدٍ أو شرط للإضراب.

والمراد بالإطلاق سواءٌ أكان المتقدم عليها خبراً مُثبَتاً أو منفياً، أم كان المتقدم عليها أمراً أو نهياً، وسواءٌ أعيد معها العامل في الكلام المتقدم عليها أم لم يُعد، إذاً: هذا المراد بالإطلاق، يعني: لا تقيد بقيدٍ مهما كان من جهة تقديم أو تأخير، ومن جهة كونها مسبوقة بأمر أو نهي .. نفي إلى آخره، تقول: أنا مسافرٌ اليوم، ثم يبدو لك فتقول: أو مقيمٌ، يعني: بل مقيم، أنا مسافرٌ اليوم فيبدوا لك أنك معرض عن السفر فتقول: أو مقيمٌ، يعني: تستمل استعمال (بل) أنا مسافرٌ اليوم بل مقيمٌ .. أو مقيم، استعملتها للإضراب، تريد الإضراب عن الكلام الأول وإثبات ما بعد (أوْ).

إذاً في قول الكوفيين وأبي علي الفارس وابن جني: أن (أوْ) تأتي للإضراب مطلقاً، ونسبه ابن عصفور لسيبويه: أن (أوْ) للإضراب هو مذهب سيبويه، لكن بشرطين لا مطلقاً بخلاف ما ذهب إليه الكوفيون.

الشرط الأول: تقدُّم نفي أو نهي، يعني: لا تكون (أوْ) عند سيبويه للإضراب إلا إذا تقدم النهي أو النفي.

الثاني: إعادة العامل، فإن لم يُعد لا تكون للإضراب، نحو: ما قام زيدٌ أو ما قام عمروٌ، يعني لو قال: ما قام زيدٌ أو عمروٌ، بأن (أوْ) هنا للإضراب لا تصح، لا بُدَّ أن يعيد العامل، ما قام زيدٌ أو ما قام عمروٌ، حينئذٍ إذا عاد العامل صح أن تكون (أوْ) هنا للإضراب، وأن يكون النفي أو النهي متقدماً عليها، وقيل: إنها حينئذٍ غير عاطفةٍ، نعم إذاً: إعادة العامل نحو: ما قام زيدٌ أو ما قام عمروٌ، ولا يقم زيدٌ ولا يقم عمروٌ بالإعادة، وقيل: إنها حينئذٍ غير عاطفة كـ (أمْ) الإضرابية على رأي الجمهور، لا تكون عاطفةً إذا كانت (أوْ) بمعنى: الإضراب .. بمعنى: (بل) ليست حرفاً من حروف العطف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015