طيب! إذا قال قائل -وهذا مسموعٌ-: إنها لإبلٌ أم شاءٌ؟ يعني: بل شاءٌ، إمَّا إبل أو شاء واحد منهما، المحكوم عليه شيء واحد، إنها لإبلٌ ثم ظهر له أنها ليست بإبل، قال: أم شاءٌ يعني: بل هي شاء. أي: بل أهي شاءٌ، وإنما قُدِّرَ بعدها المبتدأ لأنها لا تدخل على المفرد .. المنقطعة لا تدخل على المفرد، أو كان الاستفهام إنكارياً، عرفنا المثال السابق: إنها لإبلٌ أم شاءٌ؟ أم أهي شاءٌ؟ إذاً: الكلام هنا فيه معنى الاستفهام، أم منقطعة قطعاً، لأنها لم تسبق بالهمزتين.
قال بعضهم: في هذا المحل هي مشربةٌ معنى الاستفهام، لأن قوله: إنها لإبلٌ أم شاءٌ .. أم أهي شاءٌ؟ على معنى الاستفهام، ويُقدَّر لشاء أنه خبر مبتدأ محذوف داخلةٌ عليه الهمزة، لأن (أمْ) المنقطعة لا تدخل على المفرد.
أو كان الاستفهام إنكارياً نحو قوله تعالى: ((أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ)) [الطور:39] يعني: بل أله البنات؟ إذاً نقول: بعد (أمْ) هنا المنقطعة له البنات، وهي جملة ليست مثل: شاء، حتى نحتاج إلى تقدير، وإنما قال: ((أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ)) [الطور:39] يعني: أم أله، إذاً: صار استفهاماً لكنه ليس استفهاماً حقيقياً كالسابق، وإنما استفهام مرادٌ به الإنكار.
أو إنكارياً نحو: ((أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ)) [الطور:39] أي: بل أله البنات، وقد لا تقتضيه البتة، يعني: تكون مجردةً للإضراب فحسب، وليست متضمنة للاستفهام، نحو: ((أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)) [الرعد:16] أم: هذه منقطعة، يعني: بل، ((هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)) [الرعد:16] هل يصح أن يكون التقدير: بل أهل تستوي الظلمات والنور، فيدخل الاستفهام على الاستفهام؟ لا يصح، إذاً: هنا جُرِّدت لمعنى الإضراب فحسب، لأن الجملة التي تليها هي للاستفهام، فكيف تكون متضمنةً لمعنى الاستفهام؟! فحينئذٍ يلزم منه إدخال الاستفهام على الاستفهام وهذا باطل.
إذاً: ((أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ)) [الرعد:16] نقول: هنا الجملة (أمْ) منقطعة، وهي مقتضية للإضراب فحسب، وليست مقتضية للاستفهام قطعاً، لأن ما بعدها جملةٌ مستفهم عنها بـ (هل) والاستفهام لا يدخل على الاستفهام. أي: بل هل تستوي، إذ لا يدخل استفهامٌ على استفهام، وهذا مذهب الكوفيين:
أن (بل) المنقطعة تأتي للإضراب مشربةً الاستفهام بنوعيه الحقيقي والإنكاري، وتأتي للإضراب فحسب البتة، إذاً: قد تُجرَّد للإضراب عن الاستفهام، هذا مذهب الكوفيين.
ومذهب البصريين: أنها أبداً بمعنى (بل) والهمز جميعاً، لا يمكن أن تكون (أمْ) المنقطعة مُجرَّدةً للإضراب، بل لا بُدَّ وأن تكون في كل مثال متضمنة لمعنى الاستفهام. ومذهب البصريين: أنها أبداً بمعنى: (بل) والهمز جميعاً، فلا تكون في مثالٍ ما للإضراب وحده، ولا تكون في مثالٍ ما للاستفهام وحده، بل لا بُدَّ أن يجتمعا.