(لَعمرُكَ مَا أدري) ما أدري هذا مثل: سواء، مثل: ليت شعري، (بسبعٍ رمينَ الجمرَ أمْ بِثَمَانِ) (أمْ) هنا نقول: مُتَّصِلة لكونها مسبوقة بما دل على التسوية وهو: (مَا أدري)، من شرطها أن تكون مسبوقةً بالهمزة، أين الهمزة؟ نقول: الهمزة هنا مُقدَّرة، ولا يشترط في الحكم عليها بكونها مُتَّصِلة: أن تكون الهمزة ملفوظاً بها لا، وإنما ولو كانت بالنية .. ولو كانت مُقدَّرة، (ورُبَّمَا أسقِطَت الهمزة) إذاً: هنا أسقطت: أبسبعٍ رمين الجمر أم بثمان؟ لا يدري، إذاً: فرق بين (أمْ) المُتَّصِلة و (أمْ) المنقطعة، و (أمْ) المُتَّصِلة هذه هي المسبوقة بهمزة التسوية أو همزة مغنيٍة عن لفظ (أيٍّ)، وسواءٌ كانت هاتان الهمزتان ملفوظاً بهما أم محذوفين.
ويُفرَّق أيضاً بين النوعين، يعني: ما كان مسبوقاً بهمزة التسوية، والهمزة المغنية عن لفظ (أيٍّ)، يفرق بينهما من أربعة أوجه:
الأول والثاني: أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جواباً، يعني: لا ينتظر المُتكَلِّم جواباً من المخاطب، لأنه ما قصد بها الاستفهام بخلاف التي أغنت عن لفظ (أيٍّ). أن الواقعة بعد همزة التسوية لا تستحق جواباً، لأن المعنى معها ليس على الاستفهام، بل على الإخبار بالتسوية: ((سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)) [البقرة:6] يعني: يستوي عليهم إنذارك وعدمه، أين الجواب؟ ما تقتضي جواباً، المعنى واضح، بل على الإخبار بالتسوية، أخبر بأنه يستوي عندهم الإنذار وعدمه، إذاً: لا تقتضي جواباً.
وأن الكلام معها قابلٌ للتصديق والتكذيب، لأنه خبر، وليست تلك كذلك -التي هي المغنية عن لفظ (أيٍّ) - ليست كذلك، لأن الاستفهام معها على حقيقته، ولذلك تقتضي جواباً: أزيدٌ عندك أم عمروٌ؟ زيد جواب .. عمرو جواب، تقتضي جواب لأنها قائمةٌ مقام (أيّ) و (أيّ) استفهامية بخلاف التي للتسوية.
وليست تلك كذلك لأن الاستفهام معها على حقيقته، يعني جملة: سواءٌ علي أقمت أم قعدت، تقبل التصديق والتكذيب لأنه خبر صادق أم كاذب، قد يقول: سواءٌ عليِّ قعدت أم مشيت، نقول: لا هذا يحتمل أنه يكذب، ويحتمل أنه يصدق بخلاف جملة: أزيدٌ قائمٌ أم عمروٌظ لأنه استفهام وهو إنشاء، والاستفهام لا يحتمل التصديق والتكذيب، هذا الأول والثاني.
الثالث والرابع: أن (أمْ) الواقعة بعد همزة التسوية لا تقع إلا بين جملتين ولا تقع بين مفردين كما ذكرناه، ولا تكون الجملتان معها، إلا في تأويل المفردين، حينئذٍ يُفرَّق بين النوعين، وأهم شيء: أن الأولى لا تقتضي جواباً: سواءٌ عليَّ أقمت أم قعدت، لا تقتضي جواباً، والثانية بخلافها، لأن الاستفهام معها باقٍ، ولذلك تؤول بـ (أيّ)، أيهما عندك؟ زيد، أيهما عندك؟ عمرو.
وَبِانْقِطَاعٍ وَبِمَعْنَى "بَلْ" وَفَتْ ... إِنْ تَكُ مِمَّا قُيِّدَتْ بِهِ خَلَتْ
هذا هو النوع الثاني، وهو: (أمْ) المنقطعة، وهي بمعنى: (بل) الإضرابية، والإضراب المراد به: الإبطال، يعني: أن يُبْطَل حكم ما قبل (أمْ) كما هو الشأن في (بل) في بعض مواضعها.