إذاً: (وَرُبَّمَا أُسْقِطَتِ الهَمْزَةُ) أسقط: فعلٌ ماضي مغيَّر الصيغة، والهمزة: هذا نائب فاعل، وَرُبَّمَا أُسْقِطَتِ الهَمْزَةُ .. المذكورة، يعني: التسوية والمعادلة لـ (أيٍّ)، (أُسْقِطَتِ) يعني: حذفت، متى؟ (إِنْ كَانَ خَفَا المَعْنَى بِحَذْفِهَا أُمِنْ) إذا أُمِنَ اللبس وعدم الوقوع في خفاء المعنى جاز حذفها، وإن لم يُؤمَن بأن يكون المعنى فيه خفاء بعد حذفها ولبسٌ، حينئذٍ مُنِع، (إِنْ كَانَ) إن حرف شرط، وكان: فعل الشرط، (خَفَا المَعْنَى) خفاء المعنى، قصره للضرورة، الأصل بالهمز: خفاء المعنى، خفاء: مضاف، والمعنى: مضاف إليه، وخفاء: مرفوع على أنه اسم كان.

(خَفَا المَعْنَى) خفاء المعنى، معنى ماذا؟ معنى الهمزة، الذي هو التسوية أو كونها معادلة لـ (أيِّ)، إن كان عُلِمَ بعد الحذف حينئذٍ نقول: أمِنَ اللبس فجاز، وإن لم يُعْلَم هل المراد به الاستفهام الحقيقي، أم المراد به الاستفهام مع التسوية، وكون هذه (أي) نائبة مناب (أي) إذا خفي المعنى .. ، (إِنْ كَانَ خَفَا المَعْنَى بِحَذْفِهَا أُمِنْ)، (أُمِنْ) هذا فعل ماضي مغيَّر الصيغة، ونائب الفاعل ضمير مستتر يعود على خفاء المعنى، و (بِحَذْفِهَا) جار ومجرور مُتعلِّق بقوله: خفا، إن كان خفاء المعنى بسبب حذفها أمِنَ، والباء سببية هنا.

حينئذٍ القاعدة: أن الأصل أن (أمْ) تكون تاليةً لهمزة التسوية أو همزة معادلة للفظ (أيٍّ) ثم الأصل أن تكون مذكورة، وهذا هو الكثير الغالب، وَرُبَّمَا على قلةٍ حذفت الهمزة بنوعيها إن كان خفاء المعنى بحذفها مأمون ليس بخافٍ، فإذا كان خافياً فالخفاء حينئذٍ يوقع في اللبس، وكل ما أوقع في اللبس فهو ممنوعٌ.

أي: قد تحذف الهمزة، والهمزة المغنية عن (أيٍّ).

إذاً: (خَفَا المَعْنَى) يعني: معنى همزة التسوية، ومعنى الهمزة المغنية عن (أيٍّ) فاللفظ عام. عند أمن اللبس وتكون أم مُتَّصِلة كما كانت والهمزة موجودة، إذاً: لا فرق بينهما، فحذفت الهمزة قبل (أمْ) لا يخرجها عن كونها مُتَّصِلة، هذا مراده، إذا حذفت الهمزة حينئذٍ نقول: (أمْ) لم تسبق بهمزة: ((سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)) [البقرة:6] أين الهمزة؟ لا يوجد عندنا همزة، بقراءة ابن محيصن: سواءٌ عليهم أَنذرتهم، القراءة المشهورة: ((أَأَنذَرْتَهُمْ)) [البقرة:6] حذفت الهمزة لدلالة سواء، لأن سواء تدل على التسوية، فحذفت الهمزة، هل وجود (أمْ) في اللفظ هنا غير مسبوقة بهمزة التسوية يخرجها عن كونها حرف عطف .. كونها مُتَّصِلة؟ الجواب: لا.

عند أمن اللبس، وتكون (أمْ) مُتَّصِلة كما كانت والهمزة موجودة، ومنه قراءة ابن محيصن: سواءٌ عليهم أنذرتهم، همزة واحدة، ((سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)) [البقرة:6] بإسقاط الهمزة من: أنذرتهم، إذاً: (أمْ) هذه تحكم عليها بأنها مُتَّصِلة وهي مسبوقة بهمزة التسوية تقديراً، ومنه قول الشاعر:

لَعَمْرُكَ مَا أَدْرِي وَإِنْ كُنتُ دَارِياً ... بِسَبعٍ رَمَينَ الجَمرَ أَمْ بِثَمَانِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015