إذاً: زيد نفي تارةً وتعجب منه من حسنه تارةً، واستفهم عن جزئه أو أجزاءه تارةً أخرى، واللفظ واحد والمعاني تركيبية؛ لأنها لا توجد إلا بعد التركيب، ما الذي ميز: (ما) التعجبية، عن: ما النافية، عن: ما الاستفهامية؟ هذا بالاستلزام لا أقصد ما نفسها، لكن ما الذي دلنا على أن السياق هنا تعجب أو نفي أو استفهام هو الحركات التي تعاقبت على زيد، فلما قلت: ما أحسنْ زيداً عرفنا أن ما تعجبية وأحسنْ هذا فعل ماضي، والفاعل ضمير مستتر وجوباً، وزيداً هذا مفعول به وهو متعجب من حسنه، ولما رفعته: ما أحسنَ زيدٌ عرفنا أنه منفي .. حسنه منفي، ولما جررته علمنا أنه مستفهم عنه، الذي دلنا على هذا هو الإعراب.
إذاً: علة إعراب الاسم هو توارد وتعاقب المعاني التركيبية على صيغة واحدة لا يميز هذه المعاني ويفصلها عن بعضها إلا الإعراب، فولا الإعراب ما عرفنا أن هذه ما تعجبية ولا استفهامية.
وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا مِنْ شَبَهِ الْحَرْفِ .. إذاً: سلامته من الحرف جزء علة في إعرابه، وكذلك يضاف إليه توارد المعاني المختلفة عليه، فلا اعتراض على المصنف حينئذٍ:
وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ مَا قَدْ سَلِمَا ... مِنْ شَبَهِ الْحَرْفِ كأَرْضٍ وَسُمَا
وينقسم المعرب أيضاً إلى متمكن أمكن، وهو المنصرف، وإلى متمكن غير أمكن، متمكن يعني: في باب الاسمية؛ لأن غير المتمكن هو الذي خرج بالكلية عن باب الاسمية وهو الذي أشبه الحرف، فيما سبق المضمرات وغيرها، أمكن .. ما المراد بمتمكن أمكن؟ أريد اللفظ، متمكن: عرفنا أنه معرب، أمكن: أمكن من غيره من المعربات في الاسمية، زيد: هذا ينون تنوين صرف، أحمد معرب أو لا؟ معرب، زيدٌ معرب، أيهما أمكن في باب الاسمية؟ زيد، لماذا؟ لأنه مصروف وأحمد غير منصرف.
إذاً: متمكن في باب الإعراب والاسمية، أمكن من غيره؛ لأنه يقابله ماذا؟ متمكن غير أمكن، وهو الممنوع من الصرف، إذاً: ينقسم المعرب إلى متمكن أمكن .. متمكن في باب الاسمية، وأمكن من غيره في باب الاسمية أيضاً وهو المنصرف، كزيد وعمرو، وإلى متمكن غير أمكن وهو غير المنصرف، أي: الممنوع من الصرف كأحمد ومساجد ومصابيح.
وغير المتمكن هو المبني، والمتمكن هو المعرب، وهو قسمان كما ذكرنا.
ثم لما أنهى ما يتعلق بالاسم من جهة إعرابه وبناءه ثنى بالفعل: وَالفعل مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي كذلك، كما أن الاسم منه معرب ومبني، إلا أن الإعراب في باب الأسماء أصل، وفي باب الأفعال فرع، هذا مذهب البصريين، مذهب البصريين: أن الإعراب في باب الأسماء أصل، وفي باب الأفعال فرع، لماذا؟ لما ذكرناه سابقاً: أن الاسم قد تعتري وتعتوره معانٍ لا يميزها إلا الإعراب، بخلاف الفعل، فالأصل فيه ألا تعتوره معانٍ مختلفة، سواء كان الماضي أو الأمر، وأما المضارع فهذا بعضه معرب وبعضه مبني بشرطه كما سيأتي.