وسعدى خرجت عينها، عينها يعني: بذاتها .. هي نفسها خرجت؟ أو خرجت عينها على الأصل؟ عينها الباصرة، فهذا يحتمل أن تكون نفسها ذهبت وعينها خرجت، فإذا قيل: ذهبت هي نفسها تعين أن يكون نفسها توكيداً لا فاعل، لم يكن لبسٌ، حينئذٍ لم يفرقوا بين هذين المثالين وغيرهما طرداً للباب، لما وقع اللبس في بعضٍ، وإن لم يقع اللبس في بعضٍ، حينئذٍ طرداً للباب قالوا: يتعين أن يُفصل بين الضمير المتصل المرفوع، وبين مؤكِّده بالنفس والعين بضميرٍ منفصل، لا بد أن يُفصل بينهما.
وقيل: إنما وجب الفصل لأن المرفوع المتصل بمنزلة الجزء، فكرهوا أن يؤكدوه أولاً بمستقلٍ من غير جنسه، فأكدوه أولاً بمستقل من جنسه، وبمعناه وهو الضمير المنفصل المرفوع ليكون تمهيداً لتأكيده بالمستقل من غير جنسه، وهو النفس والعين، يعني: كأنهم فروا من أن يؤكَّد الضمير بالاسم الظاهر، والاسم الظاهر الذي هو من غير جنس الضمير، وحينئذٍ قالوا: أولاً نمهد بأن يؤكَّد بضميرٍ منفصل ثم بعد ذلك يؤتى بالنفس والعين.
ليكون تمهيداً لتأكيده بالمستقل من غير جنسه، وهو النفس والعين اللذان هما من الأسماء الظاهرة، أمَّا إذا كان المؤكَّد اسماً ظاهراً، أو ضمير رفعٍ منفصل، أو ضمير نصبٍ مطلقاً فلا يشترط هذا الشرط، ولذلك قال: (وَإِنْ تُؤكِّدِ الضَّمِيرَ) إذاً: لا الاسم الظاهر .. خرج به الاسم الظاهر، فإذا قلت: جاء زيدٌ نفسه، لا نحتاج: جاء زيدٌ أنت أو هو نفسه كما سبق معنا، إذاً: لا نحتاج لأنه ظاهرٌ بنفسه.
وكذلك الضمير المنفصل والضمير المخفوض، لأنه قال: (عَنَيْتُ ذَا الرَّفْعِ) يعني: قصدت بهذا الحكم الضمير المتصل المرفوع، وأمَّا غيره فهو واضحٌ، فلا يشترط هذا الشرط لفقد العلة المقتضية له، إذ الظاهر مستقلٌ بنفسه، والمنفصل ليس كالمتصل لاستقلاله بنفسه، إياك إياك لا نحتاج إلى التوكيد، والمنصوب ليس كالمرفوع في شدة الاتصال، لأن المنصوب مفعولٌ به كما سبق، والمفعول به ليس في قوة المرفوع، لأن المرفوع كجزءٍ من الفعل، ولذلك كانت رتبة الفاعل متقدمة على رتبة المفعول.
إذاً: المنصوب ليس كالمرفوع (وَإِنْ تُؤكِّدِ الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ) إذاً مفهومه: أن الضمير المؤكد بالنفس والعين إذا كان منفصلاً لا يلزم توكيده بالضمير نحو: أنت نفسك قائمٌ، هل يحتاج إلى توكيد؟ نقول: لا، لأنه في قوة الاسم الظاهر هنا.
(عَنَيْتُ ذَا الرَّفْعِ) يعني: عنيت بهذا الضمير في قولي: (إِنْ تُؤَكِّدِ الضَّمِيرَ المتَّصِلْ)، عَنَيْتُ بهذا الضمير (ذَا الرَّفْعِ) يعني: صاحب الرفع، الضمير المتصل بكونه مرفوعاً، وهذا واضحٌ بيِّن. مفهومه: أنه إذا لم يكن مرفوعاً حينئذٍ لا يُلتَزَم الفصل.
(وَأَكَّدُوا بِمَا سِوَاهُمَا) هذا تصريحٌ بالمفهوم السابق، لأنه قال: (بِالنَّفْسِ وَالعَينِ) قلنا: هذا قيد، مفهومه -وإن تؤكد بالنفس والعين فبعد المنفصل- مفهومه: إن لم تؤكد بالنفس والعين فلا يشترط، إذاً: هذا تصريح بالمفهوم السابق.