(فبَعْدَ المُنْفَصِلْ) بَعْدَ: هذا ظرف قيل: متعلق بمحذوف تقديره: فأكد بهما بعد الضمير المنفصل، أو فبعد أن يؤكِّده المنفصل، (وَإِنْ تُؤكِّدِ الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ) مطلقاً مستتراً كان أو بارزاً، بِالنَّفْسِ وَالعَينِ لا بغيرهما، لا بـ (كل) ولا بـ (كلا) ولا بـ (كلتا) ولا بـ (جميع) ولا بـ (عامة)، فهذه الألفاظ كلها يجوز فيها الوجهان: التوكيد .. الفصل وعدم الفصل، وأمَّا الحكم هنا فهو خاصٌ بالنفس والعين دون غيرهما.
وإنما اختص هذا الحكم بالنفس والعين لقوة استقلالهما، فإنهما يستعملان في غير التوكيد كثيراً، نحو: علمت ما في نفسك، وعين زيدٍ حسنة، العين الباصرة حسنة، حينئذٍ نقول: هذا اللفظ استعمل في غير التوكيد، هذا بخلاف: (كل) هناك، والكثير أن يكون تابعاً، وكذلك: (كلا) و (كلتا) و (جميعاً) و (أجمع) وتوابعها، الأكثر أن تقع مؤكدات، هنا استعمل النفس والعين استعمال الأسماء، يعني: لا التوكيد كثيراً في لسان العرب: علمت ما في نفسك، ليس توكيداً ونفس، عين زيدٍ جميلةٌ أو حسنة، عين باصرة، بخلاف بقية الألفاظ فلم يكن لها من قوة الاستقلال ما للنفس والعين، فلم يَكرهوا توكيد المرفوع المتصل بها.
إذاً: إذا أردت التوكيد بالنفس والعين لا بد من الفصل، لماذا؟ لأن استعمال هذين الاسمين النفس والعين في غير التوكيد كثير، وهذا لم يقوَ في باب (كل) ونحوه، لأن استعمالها التوكيد كثير، فقويت أن تؤكد دون فاصل، وأمَّا النفس والعين فلا.
(بِالنَّفْسِ وَالعَينِ) دون غيرهما، (فبَعْدَ المُنْفَصِلْ) يعني: بعد الضمير المنفصل .. بعد أن يؤكده الضمير المنفصل، يعني: تفصل بينهما بالضمير المنفصل.
(عَنَيْتُ ذَا الرَّفْعِ) هذا تقييد لقوله: (الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ) في قوله: (وَإِنْ تُؤَكِّدِ الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ) هذا عام يشمل الضمير المتصل المرفوع، والضمير المتصل المنصوب، والضمير المتصل المخفوض هذا عام، هل الحكم عام؟ لا، قال: (عَنَيْتُ) بقولي: (إِنْ تُؤَكِّدِ الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ: ذَا الرَّفْعِ) إذاً: فهم أن المنصوب المتصل، والمخفوض المتصل لا يجب أن يُفصل بين المؤكِّد والمؤكَّد، بل هو حسنٌ كما سيأتي.
وَإِنْ تُؤَكِّدِ الضَّمِيرَ المُتَّصِلْ ... بِالنَّفْسِ وَالعَينِ فَبَعْدَ المُنْفَصِلْ
حتماً واجباً، وإنما وجب ذلك، قالوا: لوقوع اللبس في بعض المواقع، كما لو قلت: هندٌ ذهبت نفسها، وسعدى خرجت عينها، هذا يحتمل .. فيه لبس، هندٌ خرجت نفسها يعني: روحها يحتمل، خرجت نفسها هل هذا توكيد أم فاعل؟ يحتمل أنه فاعل فنفسها خرجت .. روحها، ويحتمل أنه توكيد للضمير المستتر، خرجت هي نفسها، فلما وقع اللبس حينئذٍ لا بد من الفاصل.