وما خلى عن الإضافة إلى الضمير ففي تعريفه قولان: قيل: بنية الإضافة، إضافة منوية إلى الضمير، وقيل: بالعلمية الجنسية، وحينئذٍ تكون ممنوعة من الصرف، إذا قيل بأنها معرفة وهي لم تضف إلى الضمير، وهذا مثل أجمع وما عطف عليه، إما بأنها منوية وإما أنها علم بالجنس.
قال الناظم رحمه الله تعالى:
وَإِنْ يُفِدْ تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ قُبِلْ ... وَعَنْ نُحَاةِ البَصْرَةِ الْمَنْعُ شَمِلْ
(وَإِنْ يُفِدْ) (إن) حرف شرط، و (يفد) هذا فعل مضارع مجزوم بإن.
(تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ قُبِلْ) تَوْكِيدُ هذا فاعل، وهو مضاف ومَنْكُورٍ المراد به النكرة، قُبِلْ يعني: قبِلَ، هذا جواب الشرط.
(وَعَنْ نُحَاةِ البَصْرَةِ الْمَنْعُ شَمِلْ) وَعَنْ نُحَاةِ: جار ومجرور متعلق بقوله: الْمَنْعُ، المنع عن نحاة البصرة شمل، الْمَنْعُ مبتدأ وشَمِلْ هذا فعل مبني للمعلوم والفاعل ضمير مستتر يعود على المنع.
(شَمِلْ) يعني شمل المفيد وغير المفيد؛ لأن قوله: (وَإِنْ يُفِدْ تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ) مفهومه إن لم يفد فلا يقبل.
(وَإِنْ يُفِدْ تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ قُبِلْ) يعني إذا كان التوكيد للاسم المؤكَّد النكرة مفيداً قبل، مفهومه إن لم يفد فلا يقبل.
(وَعَنْ نُحَاةِ البَصْرَةِ الْمَنْعُ شَمِلْ) شمل ماذا؟ المفيد وغير المفيد يعني مطلقاً، ولذلك المذاهب في توكيد النكرة ثلاثة، وعلة الخلاف أو سبب الخلاف ما ذكرناه آنفاً: وهو أن ألفاظ التوكيد معارف، فإذا قيل: التزم هذا حينئذٍ هل يشترط في المؤكِّد المطابقة مع المؤكَّد تعريفاً وتنكيراً أو لا؟ هذا محل النظر هنا.
النعت لا شك فيه، يشترط فيه التنكير والتعريف المطابقة.
وَلْيُُعْطَ فِي التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ مَا ... لِمَا تَلاَ كَـ"امْرُرْ بِقَوْمٍ كُرَمَا
هل هذا الشرط موجود في التوكيد؟ هذا محل النزاع، فمن منع كالبصريين قال: لا بد من التطابق، فالنكرة لا تفيد؛ لأن هذا معرفة وهذا نكرة، وبعضهم جوز مطلقاً، وبعضهم فصَّل.
إذاً: في توكيد النكرة ثلاثة أقوال: المنع مطلقاً، وهذا مذهب البصريين وهو الذي حكاه الناظم هنا (وَعَنْ نُحَاةِ البَصْرَةِ الْمَنْعُ شَمِلْ) مطلقاً شمل المفيد وغير المفيد، كل توكيد لنكرة باطل ولو أفاد فهو ممنوع.
المذهب الثاني: الجواز مطلقاً أفاد أو لم يفد، وهذا بعيد في عدم الإفادة؛ لأن مبنى الكلام على الإفادة، إذا كان لا يفيد شيء لمَ نؤكده؟ وهذا مذهب بعض الكوفيين.
والثالث: التفصيل بين توكيد نكرة أفاد وبين توكيد نكرة لم يفد، فإن أفاد قُبِل وإلا رُدَّ، وهذا مذهب الكوفيين عامة، وهو الذي اختاره ابن مالك هنا وقال ابن هشام في التوضيح: وهو الصحيح، يعني التفصيل. إن أفاد قبل وإلا فلا.
(وَإِنْ يُفِدْ تَوْكِيدُ مَنْكُورٍ قُبِلْ) يعني إذا لم يفد توكيد النكرة لم يجز، هذا صار محل وفاق باعتبار الكوفيين والبصريين، اعتبار الكوفيين والبصريين ما لم يفد حكي الاتفاق أنه لا يصح توكيده، وإن أفاد جاز عند الكوفيين قال ابن هشام: وهو الصحيح.