و (جَمْعَاءَ) للمفرد المؤنث، و (أَجْمَعِينَ) للجمع المذكر (ثُمَّ) هذا بالواو .. بمعنى الواو، (ثُمَّ جُمَعَا) للجمع المؤنث، والألف هذه للإطلاق، ولا يثنيان فلا يقال: أجمعان ولا جمعاوان، لا يثنيان وهذا سينص عليه الناظم، فلا يقال: أجمعان ولا جمعاوان، وهذا هو مذهب جمهور البصريين وهو الصحيح؛ لأن ذلك لم يسمع، كونه لم يسمع يكفي، وكذلك استغناءً بكلا وكلتا عنها.
قال الشارح: يجاء بعد كل بأجمع وما بعدها لتقوية قصد الشمول، إذاً قصد الشمول هذا معنى في المؤكَّد، فدل على أن أجمع وما عطف عليه توكيد للمؤكَّد بكل لا لكل نفسها، لا توكيد للمؤكِّد، فإذا أريد تقوية التوكيد يجوز أن يتبع كله بأجمع وكلها بجمعاء وكلهم بأجمعين وكلهن بجمع، فلذلك يقال: جاء الركب كله أجمع، وبجمعاء بعد كلها، جاءت القبيلة كلها جمعاء، وبأجمعين بعد كلهم نحو: جاء الرجال كلهم أجمعون، وبجمع بعد كلهن نحو: جاءت الهندات كلهن جمع، ((فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)).
(وَدُونَ كُلٍّ قَدْ يَجِيءُ أَجْمَعُ) قد للتقليل، فهم منه أن ذلك قليل بالنسبة لذكرها بعد كل، وأما في القرآن فموجود ((لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ)) [الحجر:39] ((لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ)) [الحجر:43] ورد في القرآن.
(وَدُونَ كُلٍّ) أي قد يؤكد بهن وإن لم يتقدم لفظ كل، يجرد دون لفظ كل، لكن الغالب هو الأول، أن يؤتى بلفظ كل ثم يأتي بعدها لفظ أجمع، (وَدُونَ كُلٍّ قَدْ يَجِيءُ أَجْمَعُ)، قَدْ يَجِيءُ قلنا: قد هذه للتقليل، فهم منه أن ذلك قليل بالنسبة لذكرها بعد كل.
(وَدُونَ) هذا متعلق بـ يَجِيءُ وهو مضاف، وكل مضاف إليه، يعني: وقد يجئ أجمعُ وما عطف عليه دون كل، وقد يجيء دون كل أجمعُ وجمعاءُ وأجمعون ثم جمعُ.
أي: قد ورد استعمال العرب أجمع في التوكيد غير مسبوقة بكله نحو: جاء الجيش أجمع، واستعمال جمعاء غير مسبوقة بكلها، نحو: جاءت القبيلة جمعاء، واستعمال أجمعين غير مسبوقة بكلهم نحو: جاء القوم أجمعون، واستعمال جُمع فُعَل غير مسبوقة بكلهن نحو: جاء النساء جمع، وزعم المصنف أن ذلك قليل ومنه قوله:
حَولاً أَكْتَعَا إِذًا ظَلِلتُ الدَّهْرَ أَبْكِي أَجْمَعَا، إذا تكررت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع وليس الثاني تأكيداً للتأكيد لما ذكرناه سابقاً أنه إذا قيل: كله أجمع فالثاني توكيد للمتبوع الأول، وكذلك إذا قيل: جاء زيد نفسه عينه فعينه توكيد لزيد، لا توكيد للتوكيد؛ لأن المؤكِّد نفس المؤكِّد اللفظ لا يؤكَّد، لماذا؟ لأن العلة إما رفع احتمال مجاز وإما رفع احتمال بعض .. مضاف محذوف، وهذه غير موجودة في ألفاظه لا كل ولا نفس ولا عين، حينئذٍ انتفت علة التوكيد.
إذاً: إذا تكررت ألفاظ التوكيد فهي للمتبوع وليس الثاني تأكيداً للتأكيد، ولا يجوز قطعها إلى الرفع أو إلى النصب ولا عطف بعضها مطلقاً، فلا يقال: جاء زيد نفسه وعينه، بالواو كما يجوز في النعت، ولا جاء الركب كلهم أجمعون بالواو، نقول: هذا لا يجوز، وألفاظ التوكيد كلها معارف.
وهذا فيما أضيف إلى الضمير ظاهر إذا قيل: نفسه، عينه، كله، كلهم، أنفسهم، أعينهم .. واضح لأنه مضاف إلى الضمير، والمضاف إلى الضمير معرفة لا إشكال فيه.