أن يصح حلول الواحد محلهما، فلا يجوز اختصم الزيدان كلاهما؛ لأنه لا يحتمل أن يكون المراد: اختصم أحد الزيدين، هذا احتمال غير وارد، نحن نقول: كلا هذا لرفع توهم مضاف إلى المتبوع، وهذه قاعدة عامة في الكل .. في الأربعة، حينئذٍ لا يحتمل اختصم أحد الزيدين، اختصم مع من؟ مع نفسه؟ هذا ما يحتمل بعيد، إنما لا بد من شخص آخر، إذاً هو يستلزم فاعلاً آخر؛ لأنه لا يحتمل أن يكون المراد اختصم أحد الزيدين، فلا حاجة للتأكيد.
الثالث: أن يكون ما أسندته إليهما غير مختلف في المعنى، فلا يجوز مات زيد وعاش عمرو كلاهما، لا يصح، لكن جاء زيد وانطلق عمروٌ كلاهما يصح.
(وَكُلاًّ اذْكُرْ فِي الشُّمُولِ وَكِلاَ كِلْتَا جَمِيعاً) جَمِيعاً هذه مثل كل في الشروط، (بِالضَّمِيرِ مُوصَلاَ) يعني موصلاً بالضمير.
فإذا جاء لفظ من هذه الألفاظ غير موصل بالضمير لا يكون مؤكِّداً، ولذلك قوله: ((خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا)) [البقرة:29] هذا حال، لا نقول: توكيد، لماذا؟ لأن من شرط التوكيد بجميعاً وكل وما عطف عليه أن يكون مضافاً للضمير، فإذا جرد عن الضمير لا يكون مؤكداً. خلافاً لمن وهم، ولا قراءة بعضهم: (إِنَّا كُلاً فِيهَا) (كلاً) هل يصح أن يكون توكيداً؟ (كلاً) ما يصح لا بد من الضمير كلهم أو كله، لا بد أن يكون مضافاً إلى الضمير، (إِنَّا كُلاً) إننا كلاً، لا بد أن يكون مضافاً إلى الضمير، ولذلك خرجه البصريون على أنه بدل من اسم (إن) ولا يصح أن يكون تأكيداً لاسم (إن). ولا قراءة بعضهم: (إِنَّا كُلاً فِيهَا) خلافاً للفراء والزمخشري، بل جميعاً حال وكلاً بدل، ويجوز كونه حالاً من ضمير الظرف، (إِنَّا كُلاً فِيهَا) فيها كلاً؛ لأنه إذا كان الوصف تقدم على جار ومجرور حينئذٍ أعرب حالاً.
قال الشارح هنا: هذا هو الضرب الثاني من التوكيد المعنوي وهو ما يرفع توهم عدم إرادة الشمول، أو إن شئت قل: لرفع احتمال تقدير بعض مضاف إلى متبوعهم، والمستعمل لذلك أربعة ألفاظ: كل، وكلا، وكلتا، وجميع.
جميع بمنزلة كل في المعنى، وكلا وكلتا كذلك بمنزلة كل في المعنى، كل منها يؤكد بها الشمول والإحاطة والعموم، ويشترط فيها كلها أن تكون مشتملة على الضمير؛ ليحصل الربط بين التابع والمتبوع.
فيؤكد بكل وجميع ما كان ذا أجزاء يصح وقوع بعضها موقعه نحو: جاء الركب كله، لجواز أن يقال: جاء بعض الركب، وهكذا.
أو جميعه، والقبيلة كلها، بعض القبيلة أو جميعها، والرجال كلهم أو جميعهم، والهندات كلهن أو جميعهن ولا تقول: جاء زيد كله، لا يصح، لماذا؟ لأنه غير متجزئ، لا بد أن يكون متجزئاً إما بذاته أو بعامله.
ويؤكد بكلا المثنى المذكر، لجواز أن يقال: جاء أحد الزيدين، وإحدى الهندين، نحو: جاء الزيدان كلاهما، وبكلتا المثنى المؤنث نحو: جاءت الهندان كلتاهما، ولا يجوز اختصم الزيدان كلاهما على مذهب الفراء والأخفش وأبي علي الفارسي، وذهب الجمهور إلى الجواز، ووافقهم الناظم في التسهيل، ولا يقال حينئذٍ: اختصم الزيدان كلاهما، ولا الهندان كلتاهما، لامتناع التقدير المذكور.