(مَعَ ضَمِيرٍ طَابَقَ الْمُؤَكَّدَا) يعني: من شرط صحة التأكيد بالنفس والعين أن يتلبس هذان اللفظان بضمير، ومن شرط هذا الضمير شرط في الشرط أن يكون مطابقاً للمؤكد؛ لأن النفس والعين يؤكد بهما المفرد، ويؤكد بهما المثنى، ويؤكد بهما الجمع .. إذاً ليست من خصائص المفرد، ولذلك نقول في قوله: (بِالنَّفْسِ أَوْ بِالعَيْنِ الاِسْمُ أُكِّدَا) ليس المراد عين اللفظ، بل المراد المادة، لماذا؟ لأنه سيقول: (وَاجْمَعْهُمَا بِأَفْعُلٍ) فدل على أن قوله: الاسم أكدا بالنفس أي: بمادة النفس، أو بالعين: أي بمادة العين. لماذا؟
ليشمل المفرد والمثنى والجمع، لو قلت المراد به عين اللفظ حينئذٍ أخرجت المثنى والجمع، فيكون مفهومه بالنفس مفرداً لا بغيره، وهذا المفهوم مطروح مرفوض، بدليل قوله: (وَاجْمَعْهُمَا بِأَفْعُلٍ).
إذاً: (بِالنَّفْسِ أَوْ بِالعَيْنِ) أي: بهاتين المادتين، هكذا قال الصبان، بقطع النظر عن إفرادهما وغيره.
مادة النفس ومادة العين. وليس المراد بالنفس والعين مفردين حتى يفيد أن النفس والعين يبقيان على إفرادهما وإن أكِّد بهما المثنى أو المجموع، مع أنه ليس كذلك، قد يقال بأن هذا المفهوم نعم، لكن ليس كل مفهوم يكون معتبراً؛ لأنه قال: بالنفس أو بالعين، إذاً لا بمثنى النفس والعين ولا بجمع النفس والعين الاسم أكدا، إذاً لا يؤكد الاسم إلا بلفظ النفس وهو مفرد ولفظ العين وهو مفرد وليس الأمر كذلك، وهذا مفهوم ومطروح.
(مَعَ ضَمِيرٍ طَابَقَ الْمُؤَكَّدَا) يعني يشترط أن يتصل النفس والعين بضمير، ثم هذا الضمير يطابق المؤكدا إفراداً إفراداً، تثنية تثنية، جمعاً جمعاً، فتقول: جاء زيد نفسه عينه، وجاءت هند نفسها عينها تأنيث مفرد، وجاء الزيدان أنفسهما أعينهما، وجاء الزيدون أنفسهم أعينهم، انظر أضيف إلى ضمير عائد على الزيدون، جاء الزيدون أنفسهم هم جمع، جاء الزيدان أنفسهما مثنى، جاءت الهندان أنفسهما، جاءت الهندات أنفسهن، جاءت هند نفسها عينها.
إذاً: لا بد أن يكون مشتملاً على ضمير ثم هذا الضمير يشترط فيه أن يكون مطابقاً للمؤكَّد، إن كان مفرد فمفرد، وإن كان مثنى فمثنى، وإن كان جمعاً فجمعاً.
نأخذ من هذا فائدة: وهي أن لفظ النفس والعين معرفتان مطلقاً؛ لأنه يشترط فيهما أن يضافا إلى الضمير، نفس نكرة، عين نكرة، أضيف إلى الضمير نفسه صار معرفة.
إذاً في التوكيد المعنوي الأصل عند جمهور النحاة لا يؤكَّد به إلا المعرفة؛ لأنها معارف في أنفسها، فحينئذٍ إذا كانت معرفة يشترط التطابق عند بعضهم وعند الجمهور، وسيأتي أن فيه تفصيلاً.
(مَعَ ضَمِيرٍ طَابَقَ الْمُؤَكَّدَا) مَعَ بالنصب، هذا متعلق بمحذوف، حال من النفس وما عطف عليه، (بِالنَّفْسِ أَوْ بِالعَيْنِ الاِسْمُ أُكِّدَا) كأنه قال: الاسم أكد بالنفس والعين حال كونهما مع ضمير، طَابَقَ هذا فعل والفاعل ضمير مستتر يعود على الضمير، أي ضمير مطابق، الْمُؤَكَّدَا مؤكِّد ومؤكَّد، المؤكَّد هو المتبوع، والمؤكِّد هو نفسه اللفظ .. نفسه وعينه مؤكداً، الْمُؤَكَّدَا الألف هذه للإطلاق يعني: في الإفراد والتذكير وفروعه.
وَاجْمَعْهُمَا بِأَفْعُلٍ إِنْ تَبِعَا ... مَا لَيْسَ وَاحِداً تَكُنْ مُتَّبِعَا