إذاً صار التركيب محتملاً، إما الأمير نفسه، وإما الأمير لا بنفسه وإنما بغيره، إما برسوله وإما بخبره، وإما أن يكون التركيب من أصله سهو وغلط أخطأ، فأراد أن يقول: جاء زيد فقال: جاء الأمير، إذاً: صار محتملاً، إذا جئت بـ: جاء الأمير نفسه رفعت الاحتمال، لا نقول: رفعته بالكلية وإنما أضعفت بعض الاحتمالات الواردة الثلاث، وأهمها أولاً: رفع نسبة الخطأ والسهو والغلط في الكلام، وأما الباقي فهو محتمل بقاؤه، أن تقول: جاء الأمير نفسه، أكدت. هل الاحتمالات الثلاثة السابقة كلها ارتفعت؟ قال به بعض النحاة: كل احتمال متعلق بالفاعل الأمير قد ارتفع بقولنا: نفسه، وهذا فيه نظر، لماذا؟ لأنه بالإجماع يجوز أن يؤكد الأمير في هذا التركيب بنفسه عينه، فالأول جيء به للتقوية .. التوكيد ورفع الاحتمال، والثاني وظيفته كوظيفة الأول لرفع الاحتمال، فلو كان الأول نفسه رفع كل الاحتمالات، الثاني ما موقعه في المعنى؟ أكد ماذا؟ هل أكد المؤكِّد؟ لا، لم يؤكد نفسه، عينه هل هو توكيد لنفسه أو توكيد للأمير؟ توكيد للأمير، ونحن نقرر أن عينه يجاء به من أجل رفع الاحتمال، إذا كان نفسه رفع جميع الاحتمالات ماذا رفع عينه؟ هذا يجعلنا نقول: بأن المؤكِّد الأول رفع بعض الاحتمالات، وجاء المؤكِّد الثاني فأكَّد .. قوى بأن لم يبق احتمال لا إسناد من جهة الغلط ولا رسول الأمير، ولا خبر الأمير، فتعين 100% أن يكون الذي جاء هو الأمير عينه، وأما الأول فبقي الإشكال، إلا أن: جاء الأمير نفسه، جاء الأمير نفسه عينه، أي هذه التراكيب أقوى؟ ما جمعنا بين النفس والعين، جاء الأمير نفسه عينه هو الأمير بذاته، بجسده وروحه، هو الذي جاء، وأما جاء الأمير نفسه، إذاً التركيب صحيح جاء الأمير قطعاً ليس غلطاً ولا سهواً، وإنما محتمل: جاء الأمير خبره، جاء الأمير رسوله .. يحتمل هذا، ما زال الاحتمال باقياً.
جاء الأمير هذا محتمل.
(بِالنَّفْسِ أَوْ بِالعَيْنِ الاِسْمُ أُكِّدَا) إذاً نقول: يؤتى بالنفس والعين للتوكيد ويدلان على إثبات الحقيقة، ورفع المجاز عن الذات، قد يقول قائل: أنا ما أقول بالمجاز فكيف نقول: النفس والعين رافع للمجاز؟ نقول: لا. قل احتمال حذف مضاف، إذا كنت ما ترى مجاز قل: يحتمل التركيب جاء الأمير، جاء رسول الأمير، وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه موجود في لسان العرب سواء سميته مجازاً أو حقيقة لا إشكال، لكنه موجود.
إذاً: إذا لم تقل مجاز حينئذٍ كيف تقول هذا لرفع المجاز؟ لا تنكر وجود النفس والعين، وإنما قل: النفس والعين يرفعان احتمال حذف مضاف في التركيب والحمد لله سلمنا من أن نقول مجاز؛ لأن البعض إذا قيل: مجاز، ما أدري كأنه يرتعش هكذا، نقول: هذه المسألة ميسرة سهلة، ولذلك ينتقد يعني بشدة في مسألة المجاز هذه.
(بِالنَّفْسِ أَوْ بِالعَيْنِ الاِسْمُ أُكِّدَا) إذاً ما يرفع توهم مضاف إلى المؤكَّد يدل على إثبات الحقيقة، ورفع المجاز عن الذات.