إذاً قوله: (لَنْ يَظْهَرَا) المراد به أنه خاص بما إذا كان النعت لمجرد مدح أو ذم أو ترحم، أما إذا كان للتخصيص أو التوضيح فيجوز فيه الوجهان ولا يجب، وهذا ما اعتُذر به على الناظم في أول الألفية: قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ ابْنُ مَالِكِ، إذ كيف أظهر؟ نقول: لا. هنا للإيضاح وليس للمدح أو الذم أو الترحم، وإنما يجب الإضمار فيما إذا كان واحداً من هذه الأمثلة، ولذلك نقول: مررت بزيد الكريمُ، وهذا مدح هو الكريمُ، فيجب حينئذٍ إذا رفعت أن تضمر المبتدأ، ولا يجوز إظهاره، فلا يصح أن يقال: مررت بزيد هو الكريمُ، أو ذم مررت بعمروٍ الخبيث أي هو الخبيث، فيجب حذف المبتدأ، أو ترحم مررت بزيد المسكينُ، فيجب حينئذٍ أن تحذف المبتدأ، فأما إذا كان لتخصيص أو توضيح فلا يجب الإضمار، مررت بزيد الخياطُ أو الخياطَ، وإن شئت أظهرت فتقول: هو الخياطُ أو أعني الخياطَ، والمراد بالرافع والناصب لفظة هو أو أعني، وبعضهم عمم، هذا تعميم، لكن في مقام المدح أو الذم يجوز أن تقول: أمدح، ولذلك ((وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ)) [المسد:4] أي: أذم حمالة الحطب، ثم قال رحمه الله:
وَمَا مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ ... يَجُوزُ حَذْفُهُ وَفِي النَّعْتِ يَقِلْ
يجوز بكثرة حذف المنعوت إن علم، وكان النعت إما صالحاً لمباشرة العامل نحو: ((أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ)) [سبأ:11] أي: دروعاً سابغات، أو بعض اسم مقدم مخفوض بـ (من) أو (في)، فالمخفوض بـ (من) نحو قوله: (مِنَّا ظَعَنَ وَمِنَّا أَقَامَ) أي: منا فريق ظعن، ومنا فريق أقام .. فريق وفريق حذفه في الموضعين، والثاني كقوله: لَوْ قُلْتَ مَا فِي قَوْمِهَا لَمْ تِيثَمِ تأثم .. يَفْضُلُهَا فِي حَسَبٍ وَمَيسَمِ، هذا فيه تفصيل.
قال: أصله لو قلت: ما في قومها أحد يفضلها، يفضلها هذه الجملة نعت لموصوف محذوف تقديره أحد.
إذاً: (وَمَا مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ عُقِلْ) ما عقل: يعني علم، (ما) مبتدأ، وجملة (عقل) صلة الموصول، و (مِنَ الْمَنْعُوتِ وَالنَّعْتِ) متعلق بعقل.
(مِنَ الْمَنْعُوتِ) جار ومجرور متعلق بعقل، وعقل بمعنى العلم؛ لأن المراد به الإدراك والإدراك هو عين العلم.
(يَجُوزُ حَذْفُهُ) الجملة خبر عن المبتدأ، ويكثر ذلك في المنعوت ويقل في النعت.
قال: (وَفِي النَّعْتِ يَقِلّ) ويقل في النعت، في النعت متعلق بقوله يقل، والضمير هنا يعود على الحذف، يعني يقل الحذف في النعت.
مفهومه: أنه في المنعوت كثير، إذاً يحذف كلٌّ من النعت والمنعوت إذا علم، وأما إذا لم يعلم فلا يجوز على القاعدة المشهورة، والأكثر أن يكون الحذف للمنعوت بخلاف النعت؛ لأن النعت إنما جيء به للغرض الذي ذكرناه.
قال الشارح: أي: يجوز حذف المنعوت وإقامة النعت مقامه إذا دل عليه دليل نحو قوله تعالى: ((أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ)) [سبأ:11] وهذا لأن العامل صالحاً لأن يباشره، أي: دروعاً سابغات، وكذلك يحذف النعت إذ دل عليه دليل لكنه قليل: ((قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ)) [البقرة:71] البين، ((إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ)) [هود:46] الناجين .. حذف الناجين.
((يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) [الكهف:79] سفينة صالحة.