إذاً: (وَنَعَتُوا) أي: العرب (بِجُمْلَةٍ) مطلقاً بثلاثة شروط: شرط في المنعوت وهو ما أشار إليه بقوله: (مُنَكَّرَاً) وهو مفعول به، نعتوا العرب، هم منكراً .. حال كونهم منكرين هم أنفسهم، انظر المعنى كيف، وإذا قلت: بجملة يعني حال كونها نكرة، حينئذٍ قد تكون الجملة معرفة، هذا إذا أعربناها حال يفسد المعنى، مُنَكَّرَاً نعتوا منكراً يعني: لفظاً منكراً، هذا المراد؛ لأن التنكير وصف للألفاظ وقد يكون وصفاً للمعنى، إذاً مُنَكَّرَاً هذا مفعول به.
شرط المنعوت أن يكون نكرة، إما لفظاً ومعنى، أو معنى لا لفظاً؛ ليعم ما سبق وهو اللئيم، إذاً: أن يكون المنعوت نكرة إما لفظاً ومعنى نحو: ((وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)) [البقرة:281] (يوماً) مفعول به، (ترجعون) الجملة من الفعل المغير الصيغة ونائب الفاعل نعت لـ يوماً، الجملة هنا وقعت نعتاً لـ يوماً وهو نكرة في اللفظ والمعنى، والضمير فيه هو العائد، أو معنى لا لفظاً، وهذا مختلف فيه هل يكون في المعنى نكرة وفي اللفظ معرفة؟ قلنا: نعم، وهو المحلى بأل الجنسية، كما في الآية السابقة ((وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ)) [يس:37] وكذلك قول الشاعر: وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّني، حينئذٍ هذان اللفظان في المعنى نكرتان، وأما في اللفظ فهما معرفتان، الليل، واللئيم دخلت عليه أل فهو معرفة.
أو معنى لا لفظاً وهو معرف بأل الجنسية وهذا اختيار ابن مالك رحمه الله تعالى، واختار أبو حيان أنه لا يجوز أن تكون الجملة نعتاً للاسم المحلى بأل، وإن كانت أل الجنسية؛ لأنها مثل أل العهدية في كون مدخول كل منهما معرفة.
إذاً نظر أبو حيان إلى اللفظ، ونظر ابن مالك إلى المعنى.
نظر أبو حيان إلى اللفظ فقال: أل الجنسية كالمعرِّفة، يعني في كون مدخولها اسماً ثم تكسوه بالتعريف، ونظر ابن مالك إلى المعنى لكون مدخول أل هنا غير معرف، فحينئذٍ صار مبهماً، وإذا صار مبهماً هذا حقيقة النكرة: شائع في جنس موجود أو مقدر، فصدق عليه من حيث المعنى حد النكرة، فحينئذٍ نظر ابن مالك إلى المعنى .. وهذا قول الجماهير، ونظر أبو حيان إلى اللفظ.
(وَنَعَتُوا بِجُمْلَةٍ مُنَكَّرَا) هذا شرط منعوت الجملة أن يكون نكرة، إما لفظاً ومعنى كقوله: ((وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)) [البقرة:281] وإما أن يكون معنىً لا لفظاً والمراد به المحلى بأل الجنسية.
(فَأُعْطِيَتْ مَا أُعْطِيَتْهُ خَبَرَا) إذاً الشرط الأول فيما يتعلق بمنعوت الجملة، وثم شرطان يتعلقان بالجملة، الجملة نفسها، الشرط الأول: أن تكون مشتملة على رابط يربطها بالمنعوت، يعني لا بد من ضمير وهذا كالشأن مع جملة الخبر، ولذلك قال: فَأُعْطِيَتْ، يعني الجملة التي وقت نعتاً، أُعْطِيَتْ مَا -الذي- أُعْطِيَتْهُ خَبَرَا من الضمير الذي يكون رابطاً بين الجملة النعتية والمنعوت.
إذاً: أن تكون مشتملة على رابط، وهو ضمير يربطها بالموصوف.
والثاني: أن تكون خبرية، الشرط الثاني الذي يكون في الجملة: أن تكون خبرية، وهذا أشار إليه بقوله: (وَامْنَعْ هُنَا إِيقَاعَ ذَاتِ الطَّلَبِ) كما سيأتي.