إذاً: المصدر ينوب عن الفعل، واسم الفعل ينوب عن الفعل، اشتركا في الإنابة، كل منهما ينوب عن الفعل، إلا أن أسماء الأفعال بنيت، والمصادر التي نابت عن الفعل لم تبنى، ما الفرق بينهما؟ أن أسماء الأفعال نابت مناب الفعل ولم تتأثر بعامل البتة، بل لا يجوز دخول عامل عليها، وأما المصادر التي نابت مناب الفعل فهي على أصلها في تسلط العوامل عليها، فثم فرق اشتركا في قدر وافترقا في قدر آخر، اشتركا في أن كلاً منهما ينوب مناب الفعل، وليست العلة هنا في الشبه المقتضي للبناء أن يكون مجرد إنابة فحسب، الإنابة هذا يسمى جزء علة، والعلة مركبة هنا، أليس كذلك؟ علة مركبة.

إنابة بلا تأثر، فإذا ناب عن الفعل وتأثر لا نقول أنه مبني، هذا وجد فيه جزء العلة، والحكم مرتب على علة مركبة، وإذا رتب الحكم حتى في الشرعيات عند الأصوليين .. إذا رتب الحكم على علة مركبة فات الحكم بفوات العلة، أو بفوات جزء العلة، لا يوجد إلا عند تمام العلة.

إذاً: بِلاَ تَأثُّرٍ احترز بانتفاء التأثر عن ماذا؟ عما ناب عن الفعل في العمل وهو متأثر بالعامل كالمصدر النائب عن فعله فإنه معرب على الأصل، المصدر النائب عن الفعل، فإنه معرب لعدم كمال مشابهته للحرف، نحو ماذا؟ ضرباً زيداً، ضرباً: هذا مفعول مطلق، منصوب لعامل محذوف وجوباً، اضرب ضرباً، فضرباً هذا ناب مناب اضرب، ضرباً زيداً، وزيداً: هذا .. مفعول لضرباً أو لضَربَ؟ للمصدر أو للفعل المحذوف؟ لماذا عمل المصدر هنا؟ منون .. ضرباً زيداً.

إذاً: اضرب ضرباً زيداً، اضرب ضرباً، فضرباً: هذا منصوب بالفعل المحذوف الذي ناب عنه المصدر، هل تأثر بالفعل الذي ناب عنه أو لا؟ تأثر، ووجه التأثر هنا: أنه باق على النصب، إذ لو كان الفعل الذي ناب عنه صار نسياً منسياً، حينئذٍ لا بد من تغيير النصب إلى الرفع، لا بد من تغيير المثال: ضرباً زيداً، فإنه نائب مناب اضرب، وليس بمبني لتأثره بالعامل، فإنه منصوب بالفعل المحذوف، فالفعل المحذوف باقٍ تأثيره في المصدر.

بخلاف (دراكِ) فإنه وإن كان نائباً عن أدرك فليس متأثراً بالعامل.

إذاً: حاصل ما ذكره المصنف هنا أن المصدر الموضوع موضع الفعل وأسماء الأفعال اشتركا في قدر، يعني: في النيابة مناب الفعل، لكن المصدر متأثر بالعامل فأعرب لعدم مشابهته الحرف، ليس لعدم مشابهته الحرف، بل لعدم تمام مشابهته الحرف، هذا تعبير أدق، لعدم تمام مشابهته الحرف، وأسماء الأفعال غير متأثرة بالعوامل، فبنيت لمشابهتها الحرف في أنها نائبة عن الفعل وغير متأثرة به -هذا النوع الثالث-: وهو شبه الاسم الحرف في النيابة، وهذا شبه استعمالي يعني: بالنظر إلى الاستعمال، اسم أشبه الحرف في كونه يعمل فيما بعده ولا يتسلط عليه عامل، وهو خاص بباب أسماء الأفعال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015