وأجاز بعضهم وصف المعرفة بالنكرة، وخصه ابن طراوة بشرط تكون النكرة مما لا ينعت بها غير هذه المعرفة؛ كقوله: فِي أَنْيَابِهَا السُّمُّ نَاقِعُ، قال: السُّمُّ، هذا منعوت، ونَاقِعُ هذا نعته، السُّمُّ محلى بأل، ونَاقِعُ هذا نعته، فناقع نعت للسم، والصحيح من الأقوال مذهب الجمهور.
وما مثلا به مؤول، يعني الأخفش جوابه سهل، فيجوز أن يكون أوليان بدلاً من آخران، وسيأتي أنه يبدل النكرة من المعرفة والعكس، لا يشترط فيه التطابق تعريفاً وتنكيراً في البدل، بخلاف النعت، إذاً جاز أن يعرب الأوليان بدلاً من آخران، ودائماً مثل هذه المخالفات للقواعد العامة، لا يصح أن يستند إلى بيت إلا إذا تعين فيه الإعراب الذي انبنى عليه هذا الاستثناء، أما إذا جاز احتمال آخر، نطبق القاعدة الشهيرة عند الفقهاء: إذا ورد الاحتمال إلى الدليل نقول: يضعف الاستدلال به، ولا نقول: يسقط، يضعف الاستدلال به.
حينئذٍ إذا جاز وجه آخر وهو وجه صحيح معتبر، لا نقول: يتعين، ونخالف القاعدة العامة نقول: لا، نحمله على هذا الوجه ولو جاز غيره نقول: هذا يعتبر شاذاً لا نحمله على الوجه الذي مشى عليه الأخفش.
فيجوز أن يكون بدلاً من آخران، أو خبراً لمبتدأ محذوف أي: هما الأوليان.
ويجوز أن يكون نَاقِعُ بدلاً من السُّمُّ، أو خبراً ثانياً، والجار والمجرور خبراً أولاً مقدم عليه، فِي أَنْيَابِهَا نقول: هذا خبر مقدم، واستثنى كثير من النحاة الاسم المحلى بأل الجنسية، هذا كما ذكرناه في السابق .. هذا كثير من النحاة استثنوا أل إذا كانت جنسية ودخلت على الاسم قالوا: هو في معنى النكرة، وحينئذٍ إذا وقع بعده النعت أو الجملة حينئذٍ نقول: لا يشترط فيه التطابق، فلو جاء النعت نكرة بعد محلى بأل الجنسية لا نقول: وقع التخالف، لماذا؟ لأنه روعي المعنى هنا، فحصل التطابق بين النعت وهو نكرة ومعنى مدخول أل الجنسية، وهذا أمر بين واضح.
استثنى كثير من النحاة الاسم المحلى بأل الجنسية فإنه لقربه من النكرة يجوز نعته بالنكرة، ومنه قوله تعالى: ((وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ)) [يس:37] نسلخ: هذه الجملة صفة لليل؛ لأنه ليس مراداً به ليل معين، وإنما مراد به مطلق ليل صار نكرة، أو فرد مبهم فصار نكرة، ومثله البيت المشهور: وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّني، أيُّ لَّئِيمِ ما هو معين أيُّ لَّئِيمِ يتسفه علي، يَسُبُّني، يشتمني .. كأني ما سمعت شيئاً.
وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّني فَمَضيْتُ، إذاً نقول: يَسُبُّني الجملة هنا نعت .. صفة، كيف والجملة مؤولة بالنكرة كما سيأتي (وَنَعَتُوا بِجُمْلَةٍ مُنَكَّرَا)؟ الجملة لا تقع نعتاً إلا بعد النكرة؛ لأنها لو وقعت بعد معرفة صارت حالاً لا نكرة، فحينئذٍ اللَّئِيمِ يَسُبُّني نقول: يَسُبُّني هذا صفة ونعت وليس بحال؛ لأن اللَّئِيمَ وإن كان معرفة في اللفظ، إلا أن المراد به نكرة فهو في معنى النكرة، حينئذٍ يستويا اللئيمُ واللئيم، وإنما استفدنا الجنس من أل، وهذا فيه عموم في النكرة، والآية واضحة بينة.