(كَـ امْرُرْ بِقَوْمٍ كُرَمَا) أي: كقولك، لماذا نقدر كقولك؟ لأن الكاف حرف، والجملة جملة لا تكون مدخولاً للحرف، وإنما الذي يكون مدخولاً للحرف هو الاسم، فلو جاء حرف كـ: في قلنا: قصد لفظه، لو جاء كقام، كاستقر، قلنا: قصد لفظه فهو علم، نؤوله، وأما الجملة لا، دائماً تقول الكاف هذه داخلة على قول محذوف كقولك: (كَـ امْرُرْ بِقَوْمٍ كُرَمَا) ثم إذا أعربت الجملة تقول: في محل نصب مقول القول المحذوف، يعني: كامرر تقول: الكاف هذه حرف جر، مجرورها قول محذوف كقولك، ثم: امْرُرْ بِقَوْمٍ كُرَمَا بعد إعرابها تقول: والجملة في محل نصب مفعول به أو مقول القول المحذوف.
النعت يجب فيه أن يتبع ما قبله في إعرابه وتعريفه وتنكيره نحو: مررتُ بقوم كرماء، ومررتُ بزيدٍ الكريم، وبهندٍ الكريمة تأتي بالتأنيث، فلا تنعت المعرفة بالنكرة، فلا تقول: مررتُ بزيدٍ كريمٍ لعدم التطابق، لا بد أن يكون النعت معرفة كما أن المنعوت معرفة، ولا تنعت النكرة بالمعرفة .. عكس، فلا تقول: مررتُ برجلٍ الكريمِ.
رجلٍ هذا منعوت وهو نكرة، والكريمِ هذا نعته وهو معرفة، نقول: هذا لا يصح.
وأجاز الأخفش نعت النكرة بالمعرفة؛ بشرط أن تكون النكرة مخصصة، يعني خالف ما اشتهر عند النحاة، هذا اشتراط التنكير والتعريف الأصل أنه إذا ذكر القول هذا ألا يذكر الخلاف الآخر لقلة القائلين به، ولذلك ابن عقيل لم يتعرض له، ابن عقيل من سيما الشرح أنه لا يتعرض إلا للخلاف المعتبر، ولا يذكر أقوالا ضعيفة جداً إلا إذا نبه عليها يقول: وهو ضعيف، وهو أضعفها، وهذا لا يلتفت إليه .. مثل هذه العبارات، ولذلك في هذه الأبواب قلل ذكر الخلاف في هذا الشرح، تلاحظون هذا يذكر المشتهر عند النحاة؛ لأن الأبواب هذه والسابقة التعجب، وأفعل التفضيل .. كثير من المسائل شهيرة جداً يكاد أن يكون فيها إطباق، وإنما وقع خلاف من المتأخرين أرباب الحواشي ونحوها، فمثل هذه لا يشتغل بهذا السياق، لكن الأخفش له حجمه وهو من المتقدمين، يعني قوله قد يكون له اعتبار.
أجاز الأخفش نعت النكرة إذا خصصت بالمعرفة، يعني ليس مطلق النكرة، سبق أن النكرة تكون تامة وتكون ناقصة، وقد تكون مخصصة وقد تكون محضة، إذاً هذا تجعله تقسيماً للنكرة معك.
إذا خصصت النكرة جاز نعتها بالمعرفة، يعني يكون النعت معرفة، والمنعوت نكرة لكنها مخصصة، موصوفة مثلاً، جوز الأخفش النعت، واستدل بآية وهي قوله تعالى: ((فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الأَوْلَيَانِ)) [المائدة:107]، قال: آخرَان، هذا منعوت، الأوليان هذا نعته صفته، إذاً آخران تثنية آخر، وهو نكرة .. آخَرَانِ نكرة، والأوليان معرفة .. مدخول أل، إذاً صح أن ينعت بالمعرفة النكرة، لكن قال: هذه النكرة ليست محضة؛ لأنها مخصوصة بالجار والمجرور ((مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ)) [المائدة:107] جار ومجرور متعلق محذوف نعت لآخران.
إذاً هي مخصوصة، ومعلوم أن المخصصة أقرب إلى المعرفة، فلما خصصت النكرة صح أن توصف بالمعرفة، هذا رأي الأخفش، فجعل الأوليان وهو معرف بأل نعتاً لقول: آخران، مع أنه نكرة وسوغ ذلك عنده لكونه موصوفاً بالجار والمجرور.