والتابع على خمسة أنواع: النعت والتوكيد وعطف البيان وعطف النسق والبدل، واختلف النحاة في العامل في التابع، ما هو على خلاف طويل عريض. وللنحاة خلاف في العامل في التابع، فأما النعت والتوكيد وعطف البيان فمذهب الجمهور: أن العامل في كل واحد منهما هو العامل في المتبوع، النعت العامل في المتبوع هو العامل في النعت، هذا هو الصحيح، فإذا قلت: جاءَ زيدٌ الفاضلُ، جاءَ: فعلٌ ماضي، وزيدٌ فاعل، والفاضلُ هذا نعت لزيد مرفوع، ونعت المرفوع مرفوع، زيد مرفوع بماذا؟ بجاءَ، والفاضلُ مرفوع بماذا؟ بجاءَ أيضاً، هذا المراد بكون العامل في التابع هو العامل في المتبوع، أن: زيدٌ الفاضلُ، زيدٌ مرفوع بجاءَ، كذلك الفاضلُ مرفوع بجاء، هذا مراد الجمهور بكون العامل في التابع، هو عين العامل في المتبوع.
إذاً: النعت والتوكيد وعطف البيان العامل متحد، الذي عمل في المتبوع هو العامل في التابع، هذا مذهب الجمهور. وذهب الخليل والأخفش: إلى أن العامل في كل واحدٍ منها تبعيته لما قبله؛ التبعية مشهورة عند النحاة، الآجرومية يذكرونها كثير، وهي عامل ضعيف لا يعول عليه؛ لأنها معنوي، وسبق أن العامل المعنوي، وهو ما لا حظ للسان فيه ضعيفٌ في أصله، ولولا أنه لم يوجد في المبتدأ إلا الابتداء والتجريد في باب الفعلِ لما قيل بهما، لكن أُلجئَ النحاة إلى القول بهما في هذين البابين من باب الضرورة .. ما يوجد عامل لفظي. فلا يعدل إلى العامل المعنوي إلا عند تعذر وجود العامل اللفظي -انتبه لهذا-، فالتبعية التي هي أمر معنوي، التبعية فعلك أنت، يعني: إذا قلت: جاءَ زيدٌ الفاضلُ، أنت ذكرت الفاضل من أجل أن يكون تابعاً لزيد، هذا هو العامل، هذا ضعيف، ولذلك نقول هناك: جعلك الاسم أولاً لتخبر عنه ثانياً، هو وصف لك أنت، العامل المعنوي في الأصل وصف لك أنت، وأنت شيء خارج عن اللفظ، العوامل منسوب إليها العمل وإن كانت هي أعراض، وإن كان الإنسان له حكاية أو له عمل في نفس العوامل، ولذلك ابن مضاء له رسالة في الرد على النحاة، يقول: فكرة العامل هذه خيالية، هذه خزعبلات لا أصل لها، لماذا؟ يقول: ما في شيء اسمه عامل ويعمل نصب ورفع، أنت إذا قلت: إن زيداً قائمٌ، تستطيع تقول: إن زيداً قائماً، إن زيدٌ قائمٌ، إن زيدٍ قائمٍ .. أنت الذي تتحكم ليس العامل! يقول: ما في شيء اسمه عامل، إذا قلت: "إنَّ" هو عمل بنفسه كأنك جعلت له قوة وهو لفظ، هو حروف هواء لا يقدم ولا يؤخر، كيف تجعل له قوة ومعنى في نفسه، ثم يرفع وينصب؟ لا، لكن هذا جوابه سهل أن المسألة اصطلاحية فقط، نظرية العامل هذه مسألة اصطلاحية، وإلا في الأصل نعم صحيح، قد يتحكم الإنسان في: جاءَ زيداً، رأيتُ زيدٍ تستطيع تتحكم أنت.
إذاً إذا قلت: إن زيداً قائمٌ، أنت الذي نصبت وأنت الذي رفعت، و "إنَّ" هذه علامة لنصبك بعد إنَّ ولرفعك بعد إنَّ، كلام مقبول معقول؛ لكن قال المتأخرون بعد ابن مضاء كلامه لا يلتفت إليه، مع كون كلامه له وجاهة.
إذاً: ذهب الخليل والأخفش إلى أن العامل في كل واحد منها هي تبعيته لما قبله، وهي أمر معنوي، وأما البدل فمذهب الجمهور أن العامل فيه محذوفٌ مماثل للعامل في المبدل منه.