إذاً: إذا صح أن يحل محل أفعل التفضيل فعلٌ وصح التركيب حينئذٍ صح أن يرفع فاعلاً، لكن هذه اللغة لجميع العرب، وهي أن أفعل يرفع الظاهر، ولكن ذلك مشروط بأن يكون معاقباً لفعلٍ.

قال الشارح: لا يخلو أفعل التفضيل من أن يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه أوْ لا.

إما أن يصلح أن يقع في محله فعل من جنسه: أفضل، يفضلُ، أحسن يحسنُ، أكرمَ يكرمُ من جنسه. أولى، فإن لم يصلح لوقوع فعل بمعناه موقعه لم يرفع ظاهراً، وإنما يرفع ضميراً مستتراً، نحو: زيدٌ أفضلُ من عمروٍ، أفضل فيه ضمير مستتر يعود على زيد. ففي أفضل ضمير مستتر عائد على زيد، فلا تقل: مررت برجل أفضلَ منهُ أبوهُ بفتح أفضلَ إلا على الرفع فيجوز على أنه خبر مقدم، وأبوه مبتدأ مؤخر.

حينئذٍ تكون الجملة في محل خفض، وإذا كان كذلك حينئذٍ إذا فتحنا أفضلَ صار فيه ضمير مستتر أو لا؟ إذا قلنا: برجلٍ أفضلَ منهُ أبوهُ، بأفضلَ، هل فيه ضمير مستتر أو لا؟ ليس فيه ضمير، لماذا؟ لأن أبوه هو الفاعل، طيب. إذا رفعنا على التصحيح أفضلُ منهُ أبوهُ، فيه ضمير مستتر أو لا؟ في ضمير مستتر، حينئذٍ في المثال الأول أفضلَ لم يتحمل أفضلَ ضميراً مستتراً، وفي الثاني صار متحملاً لضمير مستتر، في الأول –أفضلَ- صار النعت بالمفرد: برجلٍ أفضلَ، أفضلُ منهُ أبوه النعت صار جملة اسمية، أفضلُ منهُ أبوهُ، مبتدأ وخبر في محل خفض صفة لرجل. فترفع أبوهُ بأفضلَ إلا في لغة ضعيفة حكاها سيبويه، فإن صلح لوقوع فعل بمعناه موقعه صح أن يرفع ظاهراً قياساً مطرداً، لكن ذلك مشروطٌ بماذا؟ وذلك في كل موضع وقع فيه أفعلُ بعد نفيٍ أو شبهه، وكان مرفوعه أجنبياً مفضلاً على نفسه باعتبارين، هذه ثلاثة شروط ويزاد عليها اشرط رابع: أن يكون أفعل صفة لاسم جنس، بهذه الشروط الأربعة صح أن يرفع اسماً ظاهراً على أنه فاعلٌ له، وإذا تخلف واحد منها، حينئذٍ رجعنا إلى الأصل، وهو أنه شاذٌ أن يرفع به الاسم الظاهر. أن يرفع ظاهراً قياساً مطرداً، في كل موضع وقع فيه أفعل بعد نفي أو شبهه، شبه النفي هو الاستفهام والنهي.

قال في شرح التسهيل: لم يرد هذا الكلام المتضمن ارتفاع الظاهر بأفعلَ إلا بعد نفي, يعني: لم يسمع في لسان العرب .. طبعاً هذا استثناء، يعني: إذا قيل: بأن أفعل التفضيل رفع اسماً ظاهراً، هذا صار خروجاً عن القياس، وإذا كان كذلك حينئذٍ اللفظ الذي سُمع أو التركيب الذي سُمع يستنبط منه الشروط، ثم لا يقاس عليه غيره، فيقال: الذي سُمع هو بعد نفي، لكن جاء في لسان العرب أنه يعامل شبه النفي مقام النفي، كما سبق في باب كان وأخواتها .. تفتأ وزال ونحوها.

قال: لم يرد هذا الكلام المتضمن ارتفاع الظاهر بأفعل إلا بعد نفي .. ثم قال: ولا بأس باستعماله بعد نهي أو استفهام فيه معنى النفي, يعني: من باب الاستحسان، ولذلك قالوا: نفي أو شبهه، المراد بشبه النفي الاستفهام الذي فيه معنى النفي وكذلك النهي، كقوله: لاَ يكُنْ غيرُكَ أَحبَّ إِليهِ الخَيرُ مِنْهُ إِلَيكَ، وهَلْ فِي النَّاسِ رَجُلٌ أَحقُّ بهِ الحمدُ مِنهُ بمُحْسِنٍ لاَ يَمُنُّ؟ هذان مثالان لشبه النفي على ما ذكره ابن مالك في شرح التسهيل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015