إذاً: الأصل في أفعل التفضيل أنه لا يرفع إلا ضميراً مستتراً، ولا يرفع اسماً ظاهراً ولا ضميراً بارزاً إلا ما حُكي في لسان العرب من قلة، بعضهم حكم عليها بالشذوذ، فحينئذٍ نقول: لا يرفع الاسم الظاهر ولا الضمير البارز إلا شذوذاً، ولذلك الناظم قال: وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ نَزْرٌ قليل، ويحتمل أنه أراد بـ نَزْرٌ هنا أنه شاذ، وسواء كان قليلاً أو نزراً أو شاذاً لا يقاس عليه لضعفه. حكى سيبويه مررتُ برجلٍ أكرمَ منهُ أبوهُ على الطريقة السابقة التي ذكرناها، فأما رفعه الضمير المستتر فلأن العمل فيه ضعف لا يظهر أثره لفظاً فلا يحتاج إلى قوة العامل؛ لأنه قد يقال: لماذا رفع ضميراً مستتراً، ولم يرفع اسماً ظاهراً أو ضميراً بارزاً وكلٌ منهما فاعل؟ نقول: فرق بين الضمير المستتر وبين الاسم الظاهر، أما الضمير المستتر فرفعه لأن العمل فيه ضعيف لا يظهر أثره لفظاً، يعني: العمل في أفعل التفضيل .. لأنه لا يحمل على الفعلِ ولا يحمل على اسم الفاعل؛ لكونه لا يؤنث ولا يفرد ولا يثنى ولا يجمع كما سبق في باب الصفة المشبهة، حينئذٍ له قوة أن يرفع الضمير المستتر، وهو في نفسه ضعيف، إذاً: لا يقوى على رفع الاسم الظاهر، وأما الضمير المستتر فلا يحتاج إلى قوة العامل، وأما عدم رفعه الظاهر فلأنه ضعيف الشبه باسم الفاعل، من جهة أنه في حال تجريده لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع، وهذا إذا لم يحسن أن يقع موقعه فعلٌ بمعناه، وأما إذا كان كذلك فهي التي قال فيها الناظم:

وَمَتَى عَاقبَ فِعْلاً فَكَثِيراً ثَبَتَا

إذاً: يكون قليلاً أو شاذاً أو نزراً إذا لم يصلح أن يقع في محله فعلٌ، حينئذٍ العمل .. رفع الاسم الظاهر يكون شاذاً.

وأجمعوا على أنه لا ينصب المفعول به مطلقاً .. بالإجماع، أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به، هذا أمرٌ مجمع عليه، لماذا؟ لأن ما نصب من المشتقات إنما حمل على اسم الفاعل، واسم الفاعل إنما نصب لكونه حمل على الفعل مباشرة، إذاً: هذه لا تشبه اسم الفاعل التي هي أفعل التفضيل، حينئذٍ نقول: لا ينصب المفعولَ به وهذا أمر مجمع عليه.

وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ نَزْرٌ، نَزْرٌ يعني شاذ، ورَفْعُهُ: مبتدأ، وهو مضاف إلى فاعله، والضمير هنا يعود إلى أفعل التفضيل، والظَّاهرَ مفعول به للمصدر ونَزْرٌ هذا خبر، والمراد به أنه شاذ، وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ نَزْرٌ، ومراده بالظاهر هنا المصرح الملفوظ به، حينئذٍ يشمل الاسم الظاهر كأبوهُ مثلاً أو الضمير البارز؛ لأنه ظاهر كما سبق في حكم الفاعل هناك، وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ المراد به المصرح به، فيشمل الضمير البارز المنفصل كما يدخل فيه نحو: زيد وأبوه، وَرَفْعُهُ الظَّاهِرَ نَزْرٌ، ثم قال: هذه لغة، قلنا قليلة وهي شاذة، واللغة الكثيرة التي عليها الاعتماد في لسان العرب، ويمكن القياس عليها، بل هو مطرد:

وَمَتَى عَاقبَ فِعْلاً فَكَثِيراً ثَبَتَا

مَتَى هذا اسم شرط ظرف معلق بـ عَاقبَ، عَاقبَ فعلٌ ماضي فعل الشرط، وفِعْلاً: عَاقبَ هو، أي: أفعل التفضيل، فِعْلاً: مفعول به، فَكَثِيراً ثَبَتَا: الفاء واقعة في جواب الشرط، وثَبَتَا الألف للإطلاق وكَثِيراً هذا حال من الضمير المستتر في ثَبَتَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015