إذن: لا يلزم من قوله (كَثُرْ) أنَّه أكثر من الفتح، قال الشَّارح: " وأكثر ما تَجيء (حَبَّ) مع غير (ذَا) مضمومة الحاء، وقد لا تُضَمُّ حاؤها كقوله: (فَحَبَّذَا رَبّاً وَحَبَّ دِينَاً) " (وَحَبَّ دِينَاً) جاءت بالفتح على الأصل. يعني: أنه إذا وقع بعد (حَبَّ) غير (ذَا) من الأسماء جاز فيه وجهان:
- الرفع بـ: (حَبَّ).
- والجر بباء زائدة.
وأصل (حَبَّ) حَبُبَ، كما ذكرناه سابقاً، يعني: صار حبيباً، ثُمَّ أُدْغِمَت الباء في الباء فصار: حَبَّ، ثُمَّ إن وقع بعد (حَبَّ) (ذَا) وجَبَ فتح الحاء كما سبق، إن جعلتا كالكلمة الواحدة، فإن جعلتا باقيتين على أصلهما جاز الوجهان، إن جعلتا كالكلمة الواحدة حينئذٍ فُتِحَت، وإن جعلتا كلمتين جاز فيه الوجهان، فتقول: (حَبَّذا)، وإن وقع بعدها غير (ذَا) جاز ضَمُّ الحاء لِمَا ذكرناه: أنَّه نُقِلَت حركة العين إلى الحاء (حَبُبَ) قيل: (حَبُبَ .. حَبَّ) بإسكان الباء، ثُمَّ أدغمت الباء في الباء، مثل: عَلْمَ .. ضَرْبَ، قلنا: ضُرْبَ .. ضَرْبَ، يجوز فيه الوجهان.
(حَبُبَ) يَجوز فيه الوجهان، سَكِّنْ الباء الأولى تُدْغَم الباء في الباء قطعاً (حَبَّ)، انقل الحركة إلى السابق .. الحاء تقول: حُبَّ، نَقَلْتَ الحركة سَكَنَت، الإدغام واجب على اللغتين، وأمَّا (حَبَّ .. حُبَّ) نقول: الضَّمَّة هذه حركة العين. جاز ضَمُّ الحاء لأنه الأصل، وفتحها بقاءً على الأًصل، فتقول: حُبَّ زيدٌ وحَبَّ زيدٌ.
وروي بالوجهين قوله:
فَقُلْتُ اقْتُلُوهَا عَنكُمُ بِمِزَاجِهَا ... وَحَبَّ بِهَا مَقْتُولَةً حِيْنَ تُقْتَلُ
(وَحَبَّ بِهَا) .. (وَحُبَّ بِهَا) -وجهان- (مَقْتُولَةً حِيْنَ تُقْتَلُ).
يُفارق مَخصوص (حَبَّذا) مخصوص (نِعْمَ) من أوجهٍ أربعة:
الأول: أنَّ مخصوص (حَبَّذا) لا يَتقدَّم كما ذكرناه آنفاً، بخلاف مخصوص (نِعْمَ) هذه الفوارق بين المخصوصين، أي: يكون المخصوص في باب (نعم) جائز التقديم، وإذا ادُّعِي الإجماع وصَحَّ حينئذٍ لا إشكال فيه. أنَّ مخصوص (حَبَّذا) لا يَتقدَّم بخلاف مخصوص (نِعْمَ) كما سبق بيانه، وإن كان ظاهر عبارة الناظم ليس الأمر كذلك، يعني: (وَيُذْكَرُ المَخْصُوصُ بَعْدُ) ثُمَّ قال: (وَإِنْ يُقَدَّمْ مُشْعِرٌ بِهِ كَفَى) إذن: لا يَتقدَّم هو، ظاهر عبارة الناظم: أنه لا يَتقدَّم، لكنَّه حكا في غيره بجواز تقديمه كما في (التسهيل) وإن كانت عبارته هنا وفي (الكافية) تُوهِم منع تقديم مخصوص (نِعْمَ) لكن إن صَحَّ الإجماع الذي ادَّعَاه ابن هشام في (شرح القَطْر) لا إشكال فيه.
الثاني: أنَّه لا تعمل فيه النواسخ بِخلاف مخصوص (نِعْمَ) نَحو: نِعْمَ رجلاً كان زيدٌ، صَحَّ، ولذلك قلنا: نِعْمَ رجلاً زيدٌ، لا يَصِح أن يكون (زيد) فاعل، رَدّاً على مذهب الكِسَائي والفَرَّاء، قالوا: لا يجوز أن يكون فاعلاً، نِعْمَ رجلاً زيدٌ، الكسائي أعْرَب (زيد) فاعلاً لـ: (نِعْمَ) ونحن قلنا: هذا باطل، بل الصواب أنَّ الفاعل ضمير مستتر، بدليل جواز دخول الناسخ على المخصوص هذا .. المرفوع الذي ذُكِر: نِعْمَ رجلاً كان زيدٌ، فلو كان فاعلاً ما صَحَّ دخول (كان) عليه، لأن (كان) من نواسخ المبتدأ لا تدخل على الفاعل.