هذا البيت يُشْعِر أو تُوهم عبارته أنه لا يَجوز تقديم المخصوص - هذا ظاهر كلام الناظم – وأنَّ المُتقدِّم ليس هو المخصوص، بل هو مُشْعِرٌ به، وهو خلاف ما صَرَّح به في (التسهيل): " من أنَّ المخصوص قد يُذْكَر قبل (نِعْمَ وبِئْسَ) " وهنا ادَّعى ابن هشام الإجماع على أنه جائز.

قال الشارح هُنا: " إذا تَقدَّم ما يَدلُّ على المخصوص بالمدح أو الذَّمْ أغنى عن ذِكْرِه آخراً " إذن: كلام الشارح هنا على أنه ليس هو المخصوص، ولذلك قال (أغْنَى) ولا يُغنِي عنه إلا إذا كان هو غيره، لا يغني الشيء عن الشيء إلا إذا كان مغايراً له، ما نقول: استغنى كذا عن كذا إلا إذا كان غيره.

إذن: إذا تَقدَّم ما يَدل على المخصوص أغنى عن ذكره آخراً، كقوله تعالى في أيوب الآية: نِعْمَ العَبد أيُوب، فحذف المخصوص بالمدح وهو (أيوب) لدلالة ما قبله عليه.

ثُمَّ قال: (وَاجْعَل كَبِئْسَ سَاءَ وَاجَعَل .. ) هذا شروعٌ فيما جَرَى مَجرى (نِعْمَ وبِئْسَ) .. (نِعْمَ وبِئْسَ) وما جرى مجراهما، إذن: (نِعْمَ وبِئْسَ) انتهينا منهما، بقي ما جرى مجرى (نِعْمَ وبِئْسَ).

قال رحمه الله:

وَاجْعَل كَبِئْسَ سَاءَ وَاجْعَل فَعُلاَ ... مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ كَنِعْمَ مُسْجَلا

وَمِثْلُ نِعْمَ حَبَّذَا الفَاعِلُ ذَا ... وَإنْ تُرِدْ ذَمَّاً فَقُل لاَ حَبَّذَا

(وَاجْعَل سَاءَ كَبِئْسَ) في كونها تدل على الذَّمِّ معنىً وحكماً (اجْعَل سَاءَ كَبِئْسَ)، (اجْعَل) فعل أمر، و (اجْعَل) هذا يَتعدَّى إلى اثنين و (سَاءَ) مفعوله الأول و (كَبِئْسَ) هذا مفعوله الثاني، (اجْعَل كَبِئْسَ) اجْعَل سَاءَ كَبِئْسَ معنىً وحكماً (وَاجْعَل فَعُلاَ مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ كَنِعْمَ)، (اجْعَل) هذا فِعْل أمر و (فَعُلاَ) مفعوله الأول، وقوله: (كَنِعْمَ) هذا مفعوله الثاني (مِنْ ذِي ثَلاَثَةٍ) هذا حالٌ من (فَعُلاَ) (فَعُلاَ) بِضمِّ العين.

مقصوده: أنه قد يأتي (فَعُلاَ) إمَّا أصالةً أو عُروضاً ويُعامل مُعامَلة (نِعْمَ وبِئْسَ) في المدْح والذَّم، وذلك كل فعلٍ كان على زِنَة (فَعُل) أصالةً كـ: ظَرُف وشَرُف، أو يكون بالتحويل .. بالنقل، وهذا سبق معنا في باب الصرف: أنَّ كلَّ ما كان على وزن (فَعَل) أو (فَعِل) يجوز نقله إلى باب (فَعُل) كل فعل إلا ثلاثة أفعال حكاها ابن عصفور، وهي: سَمِع وعَلِم وجَهِل، وما عداها كله يجوز تحويله إلى باب (فَعُلَ)، ضَرَبَ هذا على وزن (فَعَلَ) هذا مُتعدِّي أو لازم؟ مُتعدِّي، إذا أرَدْتَ الدلالة به على اللزوم وأنَّ الوصف لازمٌ تُحوله إلى باب (فَعُلَ) فتقول: ضَرُبَ، مثل: ظَرُفَ، ضَرُبَ زيدٌ.

إذن: تَفْهَم من هذه العبارة ماذا؟ ضَرَبَ زيدٌ عمراً، ضرب يوم وترك عشرة، وضرب الذي بعده، يعني: يَضْرُب ويَتْرُك، ولا يكون الوصف لازماً له، أمَّا إذا قلت: ضَرُبَ زيدٌ، هذا ضَرَّاب صباح مساء وهو يَضرِب، إذن: صار الوصف له لازماً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015