معنى البيت: أنَّ المخصوص قد لا يُذْكَر بعد الفاعل، ويُذْكر ما يُشْعِر به قبل (نِعْمَ وبِئْسَ) سواءٌ كان مُتَّصلاً بها كالمثال الذي ذكره الناظم: (العِلمُ نِعْمَ) اتَّصَل بها، أو غير مُتَّصلٍ بها، يكون مُنفصِل كقوله تعالى في شأن أيوب: ((إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ)) [ص:44] أيوب .. (نِعْمَ الْعَبْدُ) فعل وفاعل، والمخصوص محذوف، أين هو؟ محذوف تقديره: أيوب، ما الذي دَلَّ عليه؟ (إِنَّا وَجَدْنَاهُ) الضمير، هل هو مُتَّصِل بـ: (نِعْمَ) مباشرة مثل (العِلمُ نِعْمَ)؟ لا، مُنفصِل عنه لا إشكال فيه.

بل قد يكون الدَّالُ عليه والمشْعِر في كلامٍ غير ما نطق به المُتكلِّم، يقول الرَّجُل مثلاً: زيدٌ حسن الأفعال، أو حسن التَّصرفات ونحو ذلك، فيقول المستمع: نِعْمَ الرَّجُل، يعني: زيد، من أين .. ما الذي أشْعَر به؟ ليس في كلامي أنا، بل في كلام المُخاطَب، إذن: القرينة والإشعار لا يُشترط أن يكون لفظياً، ولا يشترط أن يكون من جهة الناطق نفسه المُتكلِّم، بل قد يكون في الخطاب.

إذن: أنَّ المخصوص قد لا يُذْكَر بعد الفاعل ويُذْكَر ما يُشْعِر به قبل (نِعْمَ وبِئْسَ) سواءً كان مُتَّصلاً أو لا، وقد يكون المشْعِر بالمخصوص في كلام غير المُتكلِّم بـ: (نِعْمَ) كأن يقول القائل: زيدٌ حسن الأفعال، فيقول المجيب: نِعْمَ الرَّجُل.

(وَإِنْ يُقَدَّمْ مُشْعِرٌ) يعني: اسمٌ مُشْعِر (يُقَدَّمْ) لماذا جُزِم؟ (إِنْ) شرطية .. (إِنْ) حرف شرط و (يُقَدَّمْ) فعل مضارع مَجزوم بـ: (إِنْ) وهو مُغيَّر الصيغة و (مُشْعِرٌ) نائب فاعل وهو صفةٌ لموصوفٍ محذوف، يعني: اسمٌ مُشْعِرٌ. أي: لفظٌ مُشْعرٌ بمعنى المخصوص، أي: دَالٌ عليه سواءٌ صَلُح لأن يكون المخصوص نفسه لو أُخِّرَ، كما في مثال المتن أولى، نحو: ((إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً)) [ص:44] يعني: المُتقَدِّم قد يكون صالحاً لأن يكون المخصوص لو تأخر، مثال الناظم: (العِلمُ نِعْمَ المُقْتَنَى) المُكْتَسب (وَالمُقْتَفَى) يعني: المتَّبَع، العلم هو المُشْعِر الَّلفظ المُتَقدِّم، لا يكون مخصوصاً لأنه مبتدأ و (نِعْمَ المُقْتَنَى) لو أُخِّر وقيل: نِعْمَ المقْتَنى العِلْم صَحَّ.

لكن: ((إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ)) [ص:44] هذا لا يُمكن أن يتأخر، إذن: المشعر بالمخصوص قد يَصلُح أن يكون مَخصوصاً وقد لا يَصلُح، وكلاهما مُشْعرٌ به.

وقوله: (كَفَى) .. مُشْعِرٌ بِهِ كَفَى، أي: عن ذكر المخصوص، ولم يكن مخصوصاً وإن صلح لكونه مَخصوصاً لو أُخِّر، إذن: (وَإِنْ يُقَدَّمْ لَفظٌ أو اسْمٌ مُشْعِرٌ بِهِ) أي: بالمخصوص، كَفَى عن ذكر المخصوص، مَعْمُوله محذوف، أي: كَفَى عن ذكر المخصوص، (كَفَى) لا بُدَّ أن تُقدِّر له جار ومجرور: كفى عن ذِكْر المخصوص.

(كَالعِلمُ نِعْمَ المُقْتَنَى)، (العِلمُ) مبتدأ قولاً واحدً و (نِعْمَ المُقْتَنَى) فعل وفاعل (المُقْتَنَى) يعني: المُكْتَسب (وَالمُقْتَفَى) معطوف عليه، يعني: المتَّبَع، والجملة: (نِعْمَ المُقْتَنَى) في مَحلِّ رفع خبر المبتدأ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015