طيب! لو ظهر الفاعل، هل ثَمَّ فائدة للتمييز .. إذا علَّلْنَا فائدة مَجيئه بكون الفاعل ضميراً مستتراً، والضمير المستتر مُبهَم، هل ثَمَّ فائدة: التمييز مع الفاعل الظاهر؟ الأصل نقول: لا، إذا علَّلْنَا بالفائدة دون السَّمَاع، قلنا: لا فائدة، إذن: لا يُجمع بينهما، ولكن ثَمَّ خلافٌ بين النحاة، منهم من جَوَّز، ومنهم من منع، فقال قومٌ: لا يجوز ذلك، لا يُقال: نعم زيدٌ رجلاً، على أنَّ رجلاً تَمييز وزيدٌ فاعل لا يجوز.

ومن أنصار هذا القول سيبويه رئيس النحاة والسِّيْرافي، ومنعوه مُطلقاً وتأولا ما سُمِع - كل ما سُمِع فهو مؤول - إمَّا على أنه حالٌ في بعض المواضع، أو منصوبٌ بفعلٍ محذوف في بعض المواضع يناسب المقام، إذا جاء منصوبٌ بعد الفاعل الظاهر في باب (نِعْمَ) إمَّا أنه حال، وإمَّا أنه منصوبٌ بفعل مُضمَر يناسبه المقام، إمَّا هذا أو ذاك، كل ما سُمِع واستدل به فهو مؤول على واحدٍ من هذين المخرجين، وهذا قول سيبويه والسيرافي، فهو ممنوع مُطلقاً.

فلا تقل: نِعْمَ الرَّجُل رجلاً زيدٌ، نِعْمَ الرَّجُل (نِعْمَ) فعل و (الرَّجُل) فاعل و (رجلاً) تَمييز، و (زيدٌ) هذا المخصوص.

وذهب قومٌ إلى الجواز، ومنهم المبَرِّد وابن السرَّاج والفارسي والناظم - ابن مالك رحمه الله تعالى - واستدلوا بالأثر، يعني: بِمَا نُقِل عن العرب، ومنه قول الشاعر:

والتّغلَبيّون بِئْسَ الفحلُ فحْلُهُمُ ... فَحْلاً وأمُّهُمُ زَلاّءُ مِنْطيقُ

(بِئْسَ الفحلُ فحْلُهُمُ فَحْلاً)، (بِئْسَ) هذا فعل ماضي (الفَحْلُ) هذا فاعل (فحْلُهُمُ) هذا المخصوص (فَحْلاً) هذا تَمييز، إذن: جُمِع بين الفَحْلُ فَحْلاً، (الفَحْلُ) هذا فاعل و (فَحْلاً) هذا تَمييز، إذن: جمع بين الفاعل الظاهر وتَمييزه.

تَزَوَّدْ مِثْلَ زَادِ أَبِيكَ فِينَا ... فَنِعْمَ الزَّادُ زَادُ أَبِيكَ زَادَا

(فَنِعْمَ الزَّادُ زَاداً) (نِعْمَ) فعل ماضي لإنشاء المدح و (الزَّادُ) فاعل (نِعْمَ) وهو ظاهر و (زَادَا) المتأخر هذا تَمييز نكرة و (زَادُ أَبيكَ) هذا مبتدأ مؤخَّر، إذن: جُمِع بين الفاعل الظاهر والتمييز.

وسيبويه والسيرافي يَمنعون في البيتين فيجعلون (فَحْلاً) و (زَادَا) إمَّا أنه منصوب على الحالية، وإمَّا أنه منصوب بفعل مُضْمَر يُفسِّره المقام، يعني: بِحسب المقام، والبيت الأول (التّغلَبيِّون) تأويله صعب، وأمَّ الثاني سهل (تَزَوَّدْ - زَاداً - مِثْلَ زَادِ أَبيكَ فِينَا) جعلوا (زَادَاً) هذا ليست تَمييزاً، وإنما هي مفعولٌ لقوله: (تَزَوَّدْ) و (مِثْلَ زَادِ) هذا حال مُقدَّم - على أنه حال - وعلى الاستشهاد بالبيت على أنَّ (زَادَاً) تَمييز نَجعَل مثل (زَادٍ) مفعول لقوله: (تَزَوَّدْ) من أول البيت (تَزَوَّدْ) هذا فعل أمر، الفاعل أنت (مِثْلَ زَادٍ) مفعول.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015