يعني: أن فعلي التعجب وهما: ما أفعله وأفعل به غير متصرفين مطلقاً أصلاً، ولا نقول تصرف تام ولا ناقص ننفيه. غير متصرفين فلا يستعمل منهما مضارع ولا غيره، مما يصاغ من الأفعال بل يلزم أفعَل لفظ الماضي ويلزم أفعِل لفظ الأمر، أبداً دائماً لا يكون إلا جامداً، ولذلك قيل: لا مصدر له، وإن كان في الأصل له مصدر، أحسن في الأصل له مصدر، ويشتق منه ويكون مضارع وأمر، لكن إذا ركب في صيغة التعجب الكلام عليه هنا، ما أفعَل وأفعِل نقول: هذا غير متصرف لا يستعمل منه مضارع ولا أمر، وهذا الحكم قديم.
(وَفِي كِلاَ الفِعْلَيْنِ قِدْماً لَزِمَا) لَزِمَا الألف للإطلاق.
(وَفِي كِلاَ) جار ومجرور متعلق بقوله: لَزِمَا، واللزوم بمعنى الحتم والوجوب.
(وَفِي كِلاَ الفِعْلَيْنِ) هذا متعلق بـ لَزِمَا.
(قِدْماً) أي: قديماً وفي أصل اللغة قديماً، كذلك متعلق بقوله: لَزِمَا؛ لأنه منصوب على الظرفية. أي: في الزمن القديم، وكذا بِحُكْمٍ متعلق بقوله: لَزِمَا، والباء فيه سببية، وأراد بالحكم هنا كون المجيء على طريقة واحدة أدل على المراد أي: التعجب، يعني لماذا التزم هنا عدم التصرف؟ قالوا: لأنه أدل على المراد، وما هو المراد؟ التعجب، نحن نريد معنى واحد غير متقلب، غير متنوع لا يكون في زمن دون زمن، إذن: ما الذي يناسبه؟ يناسبه لفظ غير متقلب، ولذلك لزم، نقول: أدل على المراد أي: التعجب، وإنما كان مجيئه على طريقة واحدة أدل؛ لأن تصرفه ونقله من حالة إلى حالة ربما يشعر بزوال المعنى الأول وهو التعجب.
وعدم التصرف .. تصرف الفعل إما بخروجه عن طريقة الأفعال من الدلالة على الحدث والزمن كنعم، وبئس، وليس، وعسى .. هذه نزع منها الدلالة على الحدث والزمن فصارت جامدة غير متصرفة البتة، إذن: عدم تصرفها جاءها من أي طريق؟ من نزع دلالتها على الحدث والزمن.
أو بالاستغناء عن تصرفه بتصرف غيره، يعني: لا نأتي بالمضارع منه؛ لأن ثم غير ما .. ما يغني عنه، كما قلنا: سواء هناك لا يثنى، استغناء عنه بتثنية سي، سيان. فلا يقال: سواءان، لماذا؟ اكتفاء بسيان، نقول: هنا كذلك عدم التصرف قد يكون لدلالة بعض الأفعال على المعنى الذي دل عليه هذا الفعل، حينئذٍ لا نشتق منه مضارع ولا أمر إلى آخره ..
أو بالاستغناء عن تصرفه بتصرف غيره، وإن دل على ما ذكر كيدع ويذر، فإنه استغني عن ماضيهما بماضي ترك، وعدم تصرف فعل التعجب لكلا الأمرين، لهذا وذاك، فكل من هذين الفعلين ممنوع التصرف، فالأول نظير تبارك، وعسى، وليس .. والثاني نظير هب بمعنى اعتقد وتعلم بمعنى اعلم، وقيل: أيضاً في علة جمودهما وعدم تصرفهما، تضمنهما معنى حرف التعجب الذي كان ينبغي أن يوضع فلم يوضع، والله أعلم.
(وَفِي كِلاَ الفِعْلَيْنِ قِدْماً لَزِمَا مَنْعُ تَصَرُّفٍ) مَنْعُ بالرفع أو بالنصب؟ فاعل لزم، لزم هذا فعل.
ابن هشام يقول: إذا عرفت الفعل فابحث مباشرة عن الفاعل، وإذا عرفت المبتدأ فابحث مباشرة عن الخبر؛ لأنك إذا لم تعربه مباشرة ضعت هذا في التعليم فقط، تضيع يعني، تعرب مبتدأ ثم تذهب تعرب فاعل إلى آخره وكذا، أين الخبر؟ في خبر كان.