رَبِيْعَةَ خَيْراً مَا أَعَفَّ وَأَكْرَمَا، والتقدير: مَا أَعَفَّها وأكْرَمَها، إذن: في ما أفعَل، يحذف إذا كان ضميراً، وما عدا الضمير لا يجوز حذفه، إذن: نحتاج إلى تقييد قول الناظم (وَحَذْفَ مَا مِنْهُ تَعَجَّبْتَ اسْتبَِحْ) هذا فيه إطلاق، ولو في قوله: ما أحسن زيداً، احذف زيد، نقول: لا. ليس الأمر كذلك بل لا بد أن يكون ضميراً.
التقدير: وَمَا كان أصْبَرَها فحذف الضمير وهو مفعول أفعَل للدلالة عليه بما تقدم.
ومثال الثاني الآية: ((أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)) [مريم:38] التقدير: وَاللَّهُ أَعْلَم وأبصر بهم فحذف بهم لدلالة ما قبله عليه، وقول الشاعر:
فَذَلِكَ إنْ يَلقَ المَنِيَّةَ يَلقَهَا ... حَمِيْداً وَإِنْ يَسْتَغْنِ يَومَاً فَأَجْدرِ
فَأَجْدرِ به، أين المعطوف عليه؟ هل ثم صيغة أخرى معطوف عليه ذكر معه به، هل ذكر به في اللفظ؟ ((أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ)) [مريم:38] أعيد: بهم موجود أول، هنا بهم موجود؟ ليس موجود، نحكم عليه بأنه شاذ يحفظ ولا يقاس عليه، لماذا؟ لتخلف الشرط؛ لأنه لا يجوز حذف فاعل أفعِل إلا إذا عطف على مثله أفعِل وذكر معه نفس المحذوف فأجدر به.
حينئذٍ يرد السؤال: لماذا في: ما أحسن، ما أصبرها .. ضمير مفعول به وحذف وهو فضلة، هل فيه إشكال؟ ليس فيه إشكال (وَحَذْفَ فَضْلَةٍ أَجِزْ) هو فضلة، لكن ((أبصر بهم))، ((أَسْمِعْ بِهِمْ)) [مريم:38] بهم هذا ضمير فاعل والأصل في الفاعل أنه لا يجوز حذفه، وذكرنا في الأول هناك أن ثم مسائل مستثناة، ومنها: التعجب، هذا الذي معنا.
إذن حذف هنا لماذا؟
قالوا: إنما جاز حذف المجرور بعد أفعِل مع كونه فاعلاً لأن لزومه للجر كساه صورة الفضلة فجاز فيه ما يجوز فيها، لما دخلت عليه الباء -تعليل جميل هذا- لما دخلت عليه الباء ولزمت حينئذٍ صارت صورته صورة الفضلة المجرور، فجاز حذفه.
لكن لا بد من قرينة وهي كونه معطوفاً على مثله. إذن:
وَحَذْفَ مَا مِنْهُ تَعَجَّبْتَ اسْتبَِحْ ... إِنْ كَانَ عِنْدَ الْحَذْفِ مَعْنَاهُ يَضِحْ
وذلك فيما إذا كان ضميراً، يمكن يؤول الناظم، نقول: تعليقه هنا الحكم: (إِنْ كَانَ عِنْدَ الْحَذْفِ مَعْنَاهُ يَضِحْ) يتضح، هذا من باب وضح كوعد، وعد يعد، أين الواو؟ وضع يضع، أصله يفعِلُ يَوعِ .. إذن وقعت الواو بين عدوتيها فحذفت يعد، وهي فاء أصلية .. أصل الكلمة، يوضح يضح وقعت بين عدوتيها، إذا كان فعَل يحول إلى فعِل، فحينئذٍ نقول: إذا كان من باب يفعَل يحول إلى يفعِل من أجل إسقاط الواو فقط، وإلا يضع يوضع، أين يضع هنا؟ بفتح الضاد، إذن نقول: يوضَح .. يوضِح هذا الأصل، حذفت الواو لوقوعها بين عدوتيها.
وَفِي كِلاَ الفِعْلَيْنِ قِدْماً لَزِمَا ... مَنْعُ تَصَرُّفٍ بِحُكْمٍ حُتِمَا
يعني كل من الفعلين السابقين غير متصرفين بحكم مجمع عليه بين النحاة قديم، يعني منذ أن نشأ النحو وقبل أن يتكلم النحاة به حينئذٍ الحكم سابق وهو محل وفاق بينهم.