قيل: على المصدر المأخوذ من الفعل، أحسن يا يا حُسنُ زيداً؛ لأنه مخاطب أحسِن أنت، لا بد أن نقدره هكذا، قم يعني: يا زيد، إذا قيل: أحسِن الضمير هنا يعود على الحُسن المفهوم من أحسِن، والتقدير: أحسِن يا حُسنٌ بزيدٍ، وهذا ضعيف أي: دم به والزمه، ولذا لزم الضمير صورة واحدة، ويرده أنه يقال: أحسِن بزيدٍ يا عمرو، أحسِن يا حسنُ بزيدٍ يا عمرو لا يخاطب اثنان، وإنما يخاطب واحد، فإذا قيل: مرجع الضمير هو المصدر أحسن يا حسنٌ بزيدٍ حينئذٍ نقول: كيف نقول: أحسن بزيدٍ يا عمرو؟ أحسن يا حسنٌ بزيدٍ يا عمرو! هذا منتقض.
إذن لزم الضمير صورة واحدة، ويرده أنه يقال: أحسن بزيدٍ يا عمرو؛ إذ لا يخاطب شيئان في حالة واحدة، وقيل: الضمير للمخاطب.
فمعنى أحسن بزيد: اجعل يا مخاطب زيداً حسناً أي: صفه بالحسن كيف شئت، وإنما التزم إفراد الضمير لجريانه مجرى المثَل، والصواب هو مذهب البصريين السابق أنه فعل في الظاهر أمر، وفي المعنى ماضٍ، والذي يدل على ذلك: أنه لو كان فعل أمر حقيقة لوجب فيه ما يجب في جميع أفعال الأمر من استتار فاعله إذا كان مفرداً مذكراً، فحينئذٍ يبرز إذا كان غير مفرد مذكر، أما تقول: أحسن يا زيد، أحسنا يا زيدا، أحسنوا يا زيدون .. هل هذا يتأتى في هذا الفعل الصيغة أفعِل به؟ الصواب: لا. تقول: أصدق بهما، أصدق بهم، ويبقى كما هو على صورته، فلو كان فعل أمر حقيقة لبرز الضمير مع الفاعل المثنى والجمع، إذن: لا نقول: بأنه فعل أمر.
لوجب فيه ما يجب في جميع أفعال الأمر من استتار فاعله وجوباً إذا كان مفرداً مذكراً، وبروزه فيما عدا ذلك، وهنا لا يبرز معه ضمير أصلاً، وأنه لو كان فعل أمر حقيقة لم يكن المتكلم متعجباً، نحن نقول: أحسن بزيدٍ لو كان الضمير هنا على أصله وأحسِن على أصله، حينئذٍ عندما أقول لك: أحسن بزيدٍ أنا أريد أن أتعجب، ما هو أمرك أن تتعجب أنت، لو كان الأمر على حقيقته أحسن بزيدٍ يعني: أن تتعجب، وأنا أريد أن أفيد بهذه الجملة أني أنا متعجب، إذن دل على أنه ليس على أصله.
وأنه لو كان فعل أمر حقيقة لم يكن المتكلم متعجباً، بل يكون آمراً غيره بالتعجب، وقد أجمعوا على أن الناطق بهذه الصيغة، بهذا الفعل متعجباً -هذا بالإجماع-، فإذا قيل: بأنه أمر حقيقة لم يكن متعجباً بل هو آمر لغيره.
وكذلك نقول: أقوِم بزيدٍ، وأبيِن بزيدٍ، وهذا صحيح .. أقوم من أقام، أقام فعل الأمر ما هو؟ أقم، يحذف منه العين؛ لأنه أجوف قم، أقم، أبن .. لكن نحن نقول: أقوم بزيدٍ، أبين بزيدٍ، لو كان فعل أمر حقيقة لحذفت العين؛ لأن الأجوف يحذف منه عينه عند فعل الأمر، وهذا يدل على أنه ليس أمراً حقيقة.
إذن: أفعِل بزيدٍ، أحسِن بزيدٍ، نقول: أحسِن هذا في صورته صورة الأمر، لكنه في الحقيقة هو فعل ماضي، وعلى الصحيح نقول: أحسن مبني على السكون فعل ماضي، مبني على السكون أو حذف حرف العلة إذا كان معتلاً كالأمر، نظراً لصورته، أو على فتحة مقدرة منع من ظهورها مجيئه على صورة الأمر نظراً للمعنى.