خص التعجب هنا ببعض أفراده، وإلا صيغ التعجب كثيرة كما قال النحاة وغيرهم، وله عبارات كثيرة، ومن صيغ التعجب: كيف، ومتى، ومَن، وما، وأي في الاستفهام، هذه قد يتعجب بها. ((عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ)) [النبأ:1]، {الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2)} [الحاقة: 1،2] حمل على التعجب عند بعضهم. ((لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ)) [المرسلات:12]، (لله دره) هذا تعجب. (حسبك بزيدٍ رجلاً)، ((كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ)) [البقرة:28] هذه صيغة تعجب. {سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس} هذه صيغة تعجب. (لله دره فارساً) لكن هل هذا الذي بوب له النحاة؟ لا، نقول: هذا ليس الذي عناه النحاة بهذا الباب، وإنما عنوا صيغتين اثنتين هما القياس، وما عداهما على قسمين: منه ما هو سماعي ومنه ما هو قياسي. وسيأتي في باب نِعْمَ وبئس أنه قد يحوَّل إلى باب فعُل، هذا يكون قياسياً، وما عداه مثل استعمال الاستفهام في غير الاستفهام، أو استعمال لفظ (سُبْحَانَاللَّهِ) للتنزيه في غير معناه نقول: هذا يستعمل في التعجب لكن بقرينة.

إذن: (ما أفعله وأفعِل به) نقول: هذه صيغة بوب لهما النحاة هذا الباب، وما عداهما حينئذٍ يتعجب به إما سماعياً وإما قياسياً لكن لا يكون كذلك إلا بقرينة، ولا يحمل على التعجب إلا هاتين الصيغتين.

بِأَفْعَلَ انْطِقْ بَعْدَ مَا تَعَجُّبَا: انطق بأفعَل. إذن: (بِأَفْعَلَ) المراد به هذا الوزن .. متعلق بقوله: (انْطِقْ)، حال كونه بَعْدَ، أو بَعْدَ متعلق بقوله: (انْطِقْ).

مَا: وسيأتي معناها، وهي اسمية بالإجماع.

تَعَجُّبَاً: أي في حال كونك متعجباً، فأطلق المصدر وأراد به المشتق.

بِأَفْعَلَ انْطِقْ: أي انطق بأفعل.

بَعْدَ مَا تَعَجُّبَا: يعني حال كونك متعجباً، أي: انطق بوزن أفعَل بَعْدَ مَا، فتقول: ما أفعَل، انطق بأفعل بعد ما، يعني: ائت بـ (ما) أولاً، ثم تتلوها بأفعل، فتنطق بها تالية، فتقول: ما أفعل.

تَعَجُّبَاً: ونصب تعجباً على أنه مصدر في موضع الحال، أي: متعجباً، أو مفعول له، أي: لأجل إنشاء فعل التعجب فهو على حذف مضاف، لأجل إنشاء فعل التعجب حينئذٍ يكون على حذف مضاف.

أَوْ: للتنويع والتقسيم، الصفة الثانية أو الصيغة الثانية.

أَوْ جِيءْ: هذا أمر مثل انطق، إنما غاير بينهما من أجل التنويع فقط .. تفنن.

أَوْ جِيءْ بِأفْعِلْ قَبْلَ: هناك قال: بعد، وهنا قال: قبل.

قَبْلَ مَجْرُورٍ بِبَا: بباءٍ، قصره للضرورة.

مَجْرُورٍ: يعني قبل اسم مجرور. أي: أو جئ بوزن أفعِلْ بإسكان آخره وكسر ما قبل آخره: أفعِل. قبل اسم مجرور بباء الجر، فتقول: أفعِل به، أحسن بزيد مثلاً، أعلم بزيد، أكرم بعمرو، فأتى بأفعِل مكملاً بمعموله وهو المتعجب منه المجرور بالباء. في الأول قال: (بِأَفْعَلَ انْطِقْ بَعْدَ مَا تَعَجُّبَا) جاء بـ (ما) وأفعل ولم يتذكر المتعجب منه وهو المنصوب بعده، لم يكمله، أنقصه. ثم قال: (أَوْ جِيءْ بِأفْعِل قَبْلَ مَجْرُورٍ بِبَا) المجرور بالباء هو الفاعل وهو المتعجَّب منه.

إذن: كمَّل أفعِل وأتى بمجروره الذي هو الفاعل في الحقيقة.

ثم قال:

وَتِلْوَ أَفْعَلَ انْصِبَنَّهُ: رجع للأول ليبين المتعجَّب منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015