وأما من حيث النطق والصورة فهما متحدان، وإن خولف بينهما من حيث الاصطلاح بأن يقال: الضم للبناء والضمة للإعراب هذا مجرد اصطلاح وقد يقع فيه تساهل كما سيأتي، فحينئذٍ ما جيء به لا لبيان مقتضى العامل، إذاً: ليس أثراً لعامل، المبني من حيث اللفظ لا يتأثر بعامل البتة؛ لأنه إن بني على السكون فهو مبني دائماً، وإن بني على الحركة -الفتحة أو الكسرة أو الضم- فحينئذٍ هو مبني على هذه الحركات ولا يتغير البتة.
إذاً: لا يحتاج إلى عامل يقتضي تغييره من حالة إلى حالة أخرى، من شبه الإعراب؛ لأنه في اللفظ يشبه الإعراب، من حركة أو حرف أو سكون أو حذف.
وليس حكايةً أو إتباعاً أو نقلاً أو تخلصاً من سكونين، وهذا يدل على الحصر السابق الذي ذكرناه، حينئذٍ إذا جيء به .. حركة جيء بها لا لبيان مقتضى العامل، نقول: الحمْدِ لله كذلك هذه الكسرة جيء بها لا لبيان مقتضى العامل، يصدق عليها الحد أو لا؟ يصدق عليها، لكن أخرجناها بقولنا: وليس حكايةً، ثم وليس إتباعاً أو نقلاً أو تخلصاً من سكونين؛ لأن هذه الحركات كلها لا يقتضيها عامل البتة.
إذاً كأنه قال -كما مضى معنا-: ما يقبل علامات الاسم فهو اسم، وما يقبل علامات الفعل فهو فعل، وما لا يقبل هذا ولا ذاك فهو حرف، فحينئذٍ إذا أردنا أن نفسر المبني، نقول: ما جيء بهما حركة أو حرف أو سكون .. جيء به ولفظ به لا لبيان مقتضى العامل، أخرج ماذا؟ حركة الإعراب؛ لأن حركة الإعراب جيء بها لبيان مقتضى العامل، أما ما جيء به لا لبيان مقتضى العامل فنقول: هذا حركة بناء.
ثم قد تلتبس بها حركة الإتباع، وحركة الحكاية وحركة النقل، وحركة التخلص من سكونين، فنصصنا على كل واحدة من أجل أن يتعين لنا حركة المبني.
إذاً: المُعْرَبُ وَالمَبْنِيُّ نقول: أراد المصنف هنا رحمه الله تعالى أن يبين لنا: أن الاسم والفعل والحرف –السابق- منه ما هو مبني ومنه ما هو معرب؛ لأن الكلمة: قول مفرد، وهي اسم أو فعل أو حرف، الاسم منه معرب ومبني، والفعل منه معرب ومبني، ثم حكم حكماً كلياً بأن الحرف كله .. وَكُلُّ حَْرفٍ مُسْتَحِقُّ لِلْبِنَا.
إذاً: هذا الباب له علاقة بتفاصيل أحوال أنواع الكلمة؛ لأن الكلمة وأنواعها هي التي يتألف منها الكلام، فلا بد من عقد هذا الباب لبيان ما يمكن أن يعتري الاسم من كونه منصوباً أو مرفوعاً أو مبنياً أو معرباً إلى آخره، وكذلك الفعل، وكذلك الحرف.
المُعْرَبُ وَالمَبْنِيُّ: قدم المعرب لشرفه، وأخر المبني لأنه أدنى منه.
وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي ... لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوفِ مُدْنِي
وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي .. والاسم له حالان: قبل التركيب، وبعد التركيب، قبل التركيب، قلنا: هذا لا يوصف لا بإعراب ولا بناء، أليس كذلك؟ قبل التركيب مثل: زيد –لوحدها-، جاء –لوحدها-، إلى –لوحدها-، إلى نقول: ليست مبنية ولا معربة، كيف وكل حرف مستحق للبناء؟ لا نحكم عليها بأنها مبنية إلا بعد التركيب، إذا أدخلت في جملة فعلية أو اسمية حينئذٍ حكمنا عليها بأنها مبنية، وأما قبل ذلك نقول: لا معربة ولا مبنية.
إذاً: الاسم قبل التركيب لا يوصف لا بإعراب ولا بناء، وهذا هو أصح الأقوال الثلاثة الواردة في المسألة.