وفي التصريح شرح التوضيح: إعمال أمثلة المبالغة قول سيبويه وأصحابه، وحجتهم في ذلك السماع، إذن الأمثلة المبالغة تعمل عمل اسم الفاعل لأنها محمولة عليه، وهو قول سيبويه وأصحابه، وحجتهم في ذلك السماع، والحمل على أصلها وهو اسم الفاعل، يعني من باب القياس نَقل وعَقل، النقل: السماع، والعقل: الذي هو النظر، حمله على أصلها وهو اسم الفاعل؛ لأنها متحولة عنه لقصد المبالغة، ولم يجوز الكوفييون إعمال شيء منها، لمخالفتها لأوزان المضارع ولمعناه، وهذا يخالف السابق، ولذلك النحاة .. ينتبه لمسألة جمهور البصريين أو جمهور الكوفيين ونحن نورده على المشهور فحسب، وإلا الجماهير يختلفون، الجمهور قد ينفي وهو من جمهور البصريين، وهذا حتى عند الفقهاء، قال: الجمهور على الكراهة، ثم آخر يقول: الجمهور على التحريم، وثالث يقول: الجمهور على الإباحة، لماذا؟ لأنهم يختلفون في معنى الجمهور ما المراد به؟
على كلٍّ سبق أن الكوفيين يرون أن وجه الشبه بين اسم الفاعل والمضارع في كونه محمول عليه في العمل في المعنى لا في الصورة.
فقلنا ابن مالك يقول: يقويه أمثلة المبالغة، وهنا يقول لا، انظر يقول: لمخالفتها ولم يجوز الكوفييون إعمال شيء منها لمخالفتها لأوزان المضارع ولمعناه، وحملوا المنصوب بعدها على تقدير فعل، ومنعوا تقديمه عليها، ويرده عليهم قول العرب: (أَمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ)، أما العسل هنا تقدم عليه، حينئذٍ وجه المخالفة هنا ليست كالسابق، يعني هنا خالفت في اللفظ والمعنى، وهناك وافق في المعنى دون اللفظ، يعني أمثلة المبالغة عند الكوفيين لا تعمل لماذا؟ لكونها خالفت المضارع في اللفظ والمعنى، وأما اسم الفاعل عمل عندهم لكونه وافق في المعنى وهو المعتبر.
وأما تقديم عاملها عليها فعند الكوفيين يمنع، والصواب الجواز؛ لأنه سمع: (أَمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ)، وهذا يمتنع.
قال الشارح: يصاغ لكثرة فعَّال ومفعال وفعول وفعيل وفعِل، أمثلة خمسة، فيعمل عمل الفعل على حد اسم الفاعل، وإعمال الثلاثة الأُول أكثر من إعمال: فعيل وفعِل، إذن فِي كَثْرَةٍ حملها على العمل، ليست على المعنى، وإعمال فعيل أكثر من إعمال فعِلٍ، لذلك قدمه عليه.
فمن إعمال فعَّال ما سمعه سيبويه من قول بعضهم (أَمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ)، شرَابٌ فعَّال، شرابٌ العسلَ، يعني كثير الشرب للعسل، شرَّابٌ العسلَ، إذن: فعَّال نقول هذا أمثلة مبالغة بديلٌ عن فاعل، أصله: أنا شاربٌ العسلَ، لما أراد الكثرة حوله إلى فعَّال، فقيل: أنا، (أَمَّا العَسَلَ فَأَنَا شَرَّابٌ).
وقول الشاعر:
أَخَا الْحَرْبِ لَبَّاساً إِلَيْهَا جِلاَلَهَا ... ولَيْسَ بوَلاّج الْخَوَالِفِ أَعْقَلاَ
أَخَا الْحَرْبِ لَبَّاساً، لَبَّاساً على وزن فعَّال، جِلاَلَهَا هذا مفعول لِلَبَّاساً.
ومن إعمال مِفعال قول بعض العرب: (إنَّهُ لمنْحَاَرٌ بَوَائِكَهَا)، فبوائكها منصوب بمنحار.
ومن إعمال فَعُول قوله:
قَلاَ دِينَهُ وَاهْتَاجَ لِلشَّوْقِ إنَّهَا ... عَلَى الشَّوْقِ إِخْوَانَ الْعَزَاءِ هَيُوجُ
هَيُوجُ فعول، وتقدم معموله هنا عليه، فدل على الجواز خلافاً للكوفيين.