ومنه قوله: وَكَمْ مَالِئٍ، مالئ، ملأ، يملأ، مالئ، اسم فاعل من ملأ، وَكَمْ مَالِئٍ عَينَيهِ هذا مفعول به، مَالِئٍ عَينَيهِ، كم شخصٍ مالئٍ عينيه، إذن اعتمد على موصوف محذوف.
ومنه: يَا طَالِعاً جَبَلاً، يا رجلاً طالعاً جبلاً، قيل منه: ((مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ)) [النحل:69]، يعني: صنف مختلف ألوانه، هذا المثال قد يصلح وقد لا يصلح، إن قلنا بأن الشرطين لا بد منهما في رفع الفاعل الظاهر، حينئذٍ صَلُح، وإن قلنا لا؟ فلا، (مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ)، هل نَصب؟ ما نَصب، إذن لا يشترط فيه الاعتماد، لأن الاعتماد إنما يكون للنصب، والرفع .. إذا رفع ظاهراً على قول السيوطي أنه يشترط له الاعتماد دون المضي .. نفي المضي، حينئذٍ صح التمثيل، فتقول: ((مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ)) [النحل:69]، أي: صنف، مختلف ألوانه، يَا طَالِعاً جَبَلاً، أي يا رجلاً طالعاً جبلاً.
كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيُوهِنَهَا ... فَلَمْ يَضِرْهَا وَأَوْهَى قَرْنَهُ الْوَعِلُ
كَنَاطِحٍ، يعني: كوعل ناطح، حينئذٍ نقول: يعمل اسم الفاعل إذا كان صفة، سواء كان صفة لموصوف محذوف أو مذكور، فالحكم واحد.
إذن هذان شرطان ذكرهما الناظم رحمه الله تعالى، قيل من شروط إعمال اسم الفاعل المجرد، يعني غير محلى بأل أيضاً أن لا يكون مصغراً، ولا موصوفاً، ولا منعوتاً، خلافاً للكسائي فيهما؛ لأنهما يختصان بالاسم، التصغير من خصائص الأسماء والوصف والنعت من خصائص الأسماء، فإذا صُغر اسم الفاعل ابتعد شبهه بالفعل، فلا يعمل، وإذا وصف .. نُعِتَ حينئذٍ ابتعد شبهه بالفعل، فحينئذٍ لا يعمل؛ لأنهما يختصان بالاسم فيبعدان الوصف عن الفعلية، ومحل الخلاف إنما هو في عمله في المفعول به.
وفي الهمع .. همع الهوامع، قال الكوفييون إلا الفراء ووافقهم النحاس: يعمل مصغراً، يعني خالف الكوفييون أن اسم الفاعل .. لو قيل أنا ضويرب زيداً، صح أو لا؟ على مذهب البصريين: لا، لأن ضويرب تصغير ضارب اسم الفاعل، واسم الفاعل من شروط إعماله أن لا يصغر، فإن صغر حينئذٍ ضعف أو ابتعد شبهه بالفعل؛ لأنه إنما عمل لكونه أشبه الفعل المضارع، فإذا قيل ضويرب حينئذٍ ابتعد شبهه.
أنا ضاربٌ مبرحٌ أو شديدٌ زيداً فوصفته قبل العمل حينئذٍ نقول هذا لا يعمل لأن الوصف من خصائص الأسماء.
قال في الهمع: قال الكوفيون إلا الفراء ووافقهم النحاس: يعمل مصغراً، بناءً على مذهبهم، أن المعتبر شَبَهُهُ الفعل في المعنى لا في الصورة، يعني في دلالته على الحدث، كون هذا يدل على الحدث، وهذا يدل على الحدث، إذن اشتبها، هذا محل إعمال اسم الفاعل، أو هذا وجه الشبه بين اسم الفاعل والفعل.
قال ابن مالك في التحفة: وهْو قَوِيٌّ، يعني القول بكون المصغر يعمل، وهْو قَوِيٌّ بدليل إعماله محولاً للمبالغة، اعتباراً بالمعنى لا للصورة، وقاسه النحاس على التكسير.
إذن: في كونه يعمل مصغراً أو موصوفاً خلافٌ بين النحاة، والأولى: أن يقال: إن سُمع إعماله تصغير وهو مصغراً، فحينئذٍ لا يقال بكون التصغير أبعده عن مشابهة الفعل؛ لأنه سيأتي أن ما سوى المفرد وهو المثنى والجمع، يعمل عمل المفرد.