حينئذٍ أقول: الإعراب له معنيان: معنىً لغوي، ومعنىً اصطلاحي، وهو في الأصل مصدر أعرب يعرب إعراباً من باب أكرم يكرم إكراماً، وفي اللغة: مشترك لمعاني أشهرها الإبانة، يقال: أعرب الرجل عن حاجته أبان عنها، ومنه حديث: والثيب تعرب عن نفسها، يعني: تبين عما في نفسها، والمعنى على هذا إذا قلنا: الإعراب الذي هو المعنى الاصطلاح مأخوذ من الإعراب في اللغة، بمعنى: الإبانة، يكون المعنى: أن الإعراب يبين معنى الكلمة، كما يبين الإنسان عما في نفسه، وهذا أولى المعاني أن يقال: الإعراب بمعنى الإبانة هو المقصود في الإعراب عند النحاة؛ لأن الإعراب هو الذي يبين المعنى.
إذا أعربت الفاعل وميزته عن المفعول والمجرور والتمييز كلاً بعلامته وما دخل عليه من العوامل، حينئذٍ بين الكلام الذي أريد، هذا هو الأصل، ويرد الإعراب في اللغة بمعنى التحسين، أعربت الشيء: حسنته، والتغيير: عربت المعدة، وعربها الله: غيرها، وإزالة الفساد، أعربت الشيء: أزلت عربه، أي: فساده.
ويتعين أن يكون الأول الذي بمعنى الإبانة أن يتعدى بعن، والباقي بالهمزة.
إذاً: للإعراب في لسان العرب عدة معانٍ، أشهرها الإبانة، وهو المقصود هنا في الإعراب الاصطلاحي.
أما الإعراب في اصطلاح النحاة، فهذا فيه مذهبان عند البصريين والكوفيين، والمسألة خلافية ولا ينبني عليها كبير فائدة.
هل الإعراب لفظي أو معنوي؟ اختار البصريون أنه لفظي، واختار الكوفيون أنه معنوي، والمراد بكونه لفظياً أو معنوياً، هل الضمة نفسها هي الإعراب، أم هي دليل الإعراب؟ هذا محل نزاع، وينبني عليه من جهة المسائل، أو لا ينبني عليه من جهة المسائل شيء، يعني: لا يفرع عليه مسائل، وإنما إذا جاء يعرب الطالب، فيقول: جاء فعل ماضي، وزيد فاعل مرفوع، إن كان الإعراب لفظياً يقول: ورفعه ضمة، وإن كان الإعراب معنوياً، يقول: وعلامة رفعه الضمة، رفعه ضمة، إذاً: الإعراب هو عين الضمة، مرفوع وعلامة رفعه .. الذي دلنا على أنه مرفوع الضمة، إذاً: فرق بينهما في التعبير.
وأصح القولين اختصاراً نقول: أن الإعراب لفظي، والضمة هي عين الإعراب، والفتحة هي عين الإعراب، وأما القول بأنه معنوي فمرادهم به أن انتقال الكلمة من حال إلى حال هو الإعراب، والذي دلنا عليه هو الحركة، كيف الانتقال؟ تقول: زيد، قلنا: هذا موقوف، يعني: لا معرب ولا مبني، إذا سلطت عليه عامل، قلت: جاء زيد، إذاً: انتقل من وقف إلى رفع على الفاعلية، ما الذي دلنا على هذا الانتقال؟ الضمة، ثم تقول: رأيت زيداً انتقل من كونه فاعلاً إلى كونه مفعولاً به مرئي، حينئذٍ انتقل حصل انتقال، ما الذي دلنا على هذا؟ وجود الفتحة.