فمثال ما فصلَ فيه بينهما بمفعول المضاف الآية: ((وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ)) [الأنعام:137]، ومثال ما فُصلَ فيه بين المضاف والمضاف إليه بظرف، وفُهِم منه جوازُ الفصل بالمجرور إذ الظرف والمجرور من وادٍ واحد، بظرف نصبه المضاف الذي هو مصدر ما حكي عن بعض من يُوثَق بعربيته ((تَرْكُ يَوْماً نَفْسِكَ وهَوَاهَا سَعْيٌ لَهَا فِي رَدَاهَا).
ومثال ما فصلَ فيه بين المضاف والمضاف إليه بمفعول المضاف الذي هو اسم فاعل، قراءةُ بعض السلف: ((فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدَهُ رُسُلِهِ)) [إبراهيم:47].
ومثالُ الفصل بشبهِ الظرف حديث: {هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي} هل تاركو صاحبي، وهذا معنى قوله: فَصْلَ مُضَافٍ .. إلى آخره، وجاءَ الفصلُ أيضاً في الاختيار بالقسم حكى الكسائي (هذا غلام والله زيد)، ولهذا قال المصنف: وَلَمْ يُعَبْ فَصْلُ يَمِينٍ.
وأشارَ بقوله: (وَاضْطِرَاراً وُجِدَا) إلى أنه قد جاءَ الفصلُ بينَ المضاف والمضاف إليه في الضرورة بأجنبي مِن المضاف، وبنعت المضاف وبالنداء .. ثلاث مسائل، وبقي الرابعة وهي الفصل بفاعل المضاف.
فمثال الأجنبي:
كَمَا خُطَّ الكِتَابُ بِكَفِّ يَوْماً ... يَهُوِدىٍّ يُقَارِبُ أوْ يُزِيلُ
ففصلَ بـ يوماً بين كفِّ ويهودي وهو أجنبي مِن (كفِّ) لأنه معمول لـ (خط).
ومثال النعت قوله:
نَجَوْتُ وَقَدْ بَلَّ المُرَادِيُّ سَيفَه ... مِنْ ابنِ أَبي شَيخِ الأَبَاطِحِ طَالِبِ
الأصل من ابن أبي طالب شيخ الأباطح، وكذلك قول الشاعر:
وَلَئِنْ حَلَفْتُ على يَدَيكِ لأحلفَنْ ... بَيَمِينِ أصْدَقِ من يمينِكِ مُقْسِمِ
بيمين مقسم أصدق من يمينك، فُصلَ بينهما بالنعت.
ومثال النداء قوله:
(وفاقُ كَعْبُ بُجَير) يعني: يا كعبُ، وفاق بجير، مضاف ومضاف إليه، (يا كعب) هذا نداء.
خاتمة: قال في شرح الكافية: المضاف إلى الشيء يتكملُ بما أُضيف إليه، يعني يكون المضاف إليه مُكمّلاً للمضاف، مكمّلاً لمعناه، ولذلك قلنا العامل وهو المضاف إنما عمِلَ مع كونه جامداً، والأصلُ في الجامد لا يعمل، وإنما يعملُ المشتق الذي فيه رائحة الفعل، والمضاف (غلام زيد)، (غلام) ليسَ فيه رائحة الفعل، لماذا عملَ؟ لكونه أشبهَ اسم الفاعل في الافتقار والطلب لما بعده.
إذن المضاف إلى الشيء يتكملُ بما أُضيف إليه تكمل الموصول بصلته، كما أن الموصولَ لا يتمّ معناه سواء كان موصولاً حرفياً أو اسمياً، لا يتكمل معناه إلا بما بعده .. بالصلة، سواء كانت جملة أو لا.
والصلةُ لا تعملُ في الموصول ولا فيما قبله، وكذا المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا فيما قبلَ المضاف.
إذن: ينزلُ المضافُ مع المضاف إليه منزلةَ الصلة مع صلته، في كون المضاف إليه لا يعملُ في المضاف، كذلك لا يعملُ فيما قبل المضاف، فلا يجوزُ في نحو (أنا مثلُ ضاربٍ زيداً)، مثل: مضاف، وضارب: مضاف إليه، زيداً: معمول لأي شيء؟ لضارب وهو مضاف إليه، هل يجوزُ أن يتقدّم زيداً على مثل؟ أنا زيداً مثل ضارب؟ نقول: لا يجوزُ، كما أن معمولَ الصلة لا تتقدّم على الصلة، كذلك معمولُ المضاف إليه لا يتقدّم على المضاف.